ولكن اليهود نقضوا العهد عداوة لله ولرسوله ، وحسدا من عند أنفسهم ، وكان ذلك أن أتاهم رسول الله يستلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه ، وكان بينهم كعب بن الأشرف ، فلما دخل على كعب قال : مرحبا يا أبا القاسم وأهلا ، وقام كأنه يصنع له الطعام ، وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويتبع أصحابه ، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك ، فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة (وقيل : انهم قالوا : نعم. يا أبا القاسم! نعينك على ما أحببت ، ثم خلا بعضهم ببعض ، فقال (كعب بن الأشرف) : انكم لن تجدوا الرجل على مثل حالته هذه ، ورسول الله الى جانب جدار من بيوتهم قاعد ، فقالوا : من رجل يعلوا على هذا البيت يلقي عليه صخرة ، ورسول الله في نفر من أصحابه فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم ، فقام وقال لأصحابه : «لا تبرحوا» فخرج راجعا الى المدينة ، ولما استبطأوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قاموا في طلبه .. حتى انتهوا اليه فأخبرهم الخبر بما أرادت اليهود من الغدر وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) محمد بن مسلمة بقتل كعب بن الأشرف (فقتله) وأخذ رأسه (١).
وعزم (صلّى الله عليه وآله وسلم) على قتالهم لما وجده فيهم من العداوة والغدر ، بالذات وقد علم بالطابور الخامس للمنافقين الذي يتصل بهم فقال لمحمد بن مسلمة الأنصاري : «اذهب إلى بني النضير فأخبرهم : أنّ الله عزّ وجلّ قد أخبرني بما هممتم به من الغدر ، فاما أن تخرجوا من بلدنا ، وأمّا ان تأذنوا بحرب» فقالوا : نخرج من بلادك ، فبعث إليهم عبد الله ابن أبي (رأس النفاق) : لا تخرجوا ، وتقيموا ، وتنابذوا محمدا الحرب ، فاني أنصركم أنا وقومي وحلفائي ، فان خرجتم خرجت معكم ، وان قاتلتم قاتلت معكم (وكان يطمع في غلبتهم على المؤمنين لما فيه من المصلحة الماديّة له ولأعوانه) فأقاموا وأصلحوا بينهم حصونهم ، وتهيأوا
__________________
(١) مجمع البيان / ج ٩ ص ٢٥٧