للقتال ، وبعثوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : انّا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع ، فقام رسول الله ، وكبّر وكبّر أصحابه وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): تقدم على بني النضير ، فأخذ أمير المؤمنين الراية وتقدم ، وجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأحاط بحصنهم (يحاصرهم اقتصاديا ومعاشيا واجتماعيا ليستسلموا ، ولكي لا يتصلوا بقريش فتدعمهم) وغدر بهم عبد الله بن أبى ، وكان رسول الله إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم ، وضربوا ما يليه (حتى لا ينتفع به في شيء) وكان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خرّبه (كما تفعل الكثير من الجيوش حينما تنسحب من أي مدينة أو منطقة) وقد كان رسول الله امر بقطع نخلهم (حتى لا يستفيدوا منها في أكل ولا تحصن) فجزعوا من ذلك وقالوا : يا محمد! ان الله يأمرك بالفساد؟ ان كان لك هذا فخذه ، وان كان لنا فلا تقطعه ، فلما كان بعد ذلك قالوا : يا محمد! نخرج من بلادك فأعطنا مالنا ، (مما دل على ضعفهم وتنازلهم عن موقفهم السابق) فقال : «لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل» فلم يقبلوا ذلك ، فبقوا أياما ، ثم قالوا (وقد ضعفوا وتنازلوا أكثر) : نخرج ولنا ما حملت الإبل ، فقال : «لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا ، فمن وجدنا معه شيئا من ذلك قتلناه» (وكان هذا الموقف الحازم والمتصلب من القيادة الرسالية يؤكد في نفوسهم الضعف وقوة المسلمين) فخرجوا على ذلك ، ودفع منهم قوم الى فدك ، ووادي القرى ، وخرج قوم منهم الى الشام (١).
وتحققت للرسول بذلك ثلاثة اهداف : قضاؤه على عدو خطير أولا ، وقطع دابر المنافقين المعتمدين عليهم وآمالهم ، وأضعاف جهتهم ثانيا ، وكسب الهيبة بين الأعداء المتبقين كقريش ثالثا. وفي البعد الاستراتيجي طهّر شبه الجزيرة من الوجود اليهودي.
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ ص ٣٥٩