ويبدو أنّ سورة الممتحنة تربي في الأمة تجمّع حزب الله ثم الأمثل فالأمثل ممّن يتبع نهجهم ويقتدي بسيرتهم ، وهكذا الخطاب يتوجه في فاتحتها الى المؤمنين لكي يبتعدوا عن مودة الكفار المعادين للرسول ولكم لأنكم قد تفرغتم للجهاد في سبيل الله ، ولأنكم تبحثون عن مرضاته ، ولأن الله يعلم سركم ونجواكم ، ولأنّ هذه المودة ضلال عن الصراط السوي ، ولأنّهم قد يتظاهرون اليوم بالمودة ولكنهم إن يأخذوكم يشبعونكم أذى بألسنتهم وأيديهم ، وأخيرا : لأنّهم لا يزيدونكم عند الله إلّا خبالا ، هنالك إذ يتميّز المؤمنون عن الكافرين.
ولمزيد من التحريض على الكفار المعادين يرغّب الرب المؤمنين بالتأسي بإبراهيم ـ عليه السلام ـ والمؤمنين في عهده الذين تبرّأوا من قومهم الكافرين ، ونابذوهم العداء ، وتوكلوا على الله.
إنّ هذا الموقف الصلب قد يجعله الله سبحانه سببا لانتصار المسلمين على الكفار أو لتحييدهم لا أقل مما يسمح للمؤمنين يومئذ بمودة من يشاءون منهم لأنّ الله لا ينهى عن المبرة إلى غير الأعداء من الكفار والقسط إليهم لأنّ الله يحب المقسطين.
وينعطف السياق الى الحديث عن المهاجرات ، ربما لأنّ المعروف التحاق المرأة بالرجل بينما صلة الدين أقرب من علاقة الزوجية ، وهكذا كانت المرأة تترك زوجها للالتحاق بأبناء دينها ، ولكن يأمر القرآن امتحانها ، فإذا عرف منها الإيمان انفصلت عن زوجها ، ومن جهة ثانية إذا آمن الرجل لم يجز له الإبقاء على زوجته الكافرة.
وبعد بيان جملة أحكام تخص هذه المفارقة يبيّن القرآن بنود بيعة النساء ، وأبرزها نبذ الشرك (والذي يعني نبذ كل حاكمية مخالفة لحاكمية الله) ، والأمانة في المال والعرض ، والمحافظة على الأولاد ، والتورع عن اتهام أحد (فيما يتصل ظاهرا