والآخر : الباء التي تدخل على المفعول المنتصب بفعله إذا كانت تفيد مباشرة الفعل للمفعول نحو : أمسكت بزيد ، الأصل أمسكت زيدا فأدخلوا الباء ؛ ليعلموا أن إمساكك إياه كان بمباشرة منك له ، بخلاف نحو : أمسكت زيدا بدون الباء فإنه يطلق على المنع من التصرف بوجه ما من غير مباشرة ، قيل : والإلصاق معنى لا يفارق الباء ولهذا لم يذكر لها سيبويه معنى غيره ، زاد غيره (والتعدية) وتسمى باء النقل أيضا ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا ، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد وأذهبته ، ومنه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] ، وقد تكون مع المتعدي نحو : (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الحج : ٤٠] ، وصككت الحجر بالحجر ، والأصل : دفع بعض الناس بعضا ، وصك الحجر الحجر.
(والسببية والاستعانة) جمع بينهما ابن مالك في «الألفية» وابن هشام في «المغني» ، وفسر الثانية بالداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم ، ومثل الأولى بنحو (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤] : وقال الرضي : السببية فرع الاستعانة ولذا اقتصر عليها ـ أعني الاستعانة ـ ابن مالك في «الكافية» الكبرى ، وحذف السببية ، وعكس في «التسهيل» فاقتصر على السببية ، وقال في شرحه : باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معد لها مجازا نحو : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : ٢٢] ، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الماء ، وقيل : أنزل ماء أخرج من الثمرات رزقا لصح وحسن لكنه مجاز والآخر حقيقة ، ومنه كتبت بالقلم وقطعت بالسكين فإنه يصح أن يقال : كتب القلم وقطع السكين ، والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة ، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إليه تعالى فإن استعمال السببية فيها يجوز واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز انتهى.
وقال أبو حيان : ما ذهب إليه ابن مالك من أن باء الاستعانة مدرجة في باء السببية قول انفرد به ، وأصحابنا فرقوا بين باء السببية وباء الاستعانة فقالوا : باء السببية هي التي تدخل على سبب الفعل نحو : مات زيد بالحب وبالجوع ، وحججت بتوفيق الله ، وباء الاستعانة هي التي تدخل على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله الذي هو آلة نحو : كتبت بالقلم ، ونجرت الباب بالقدوم ، وبريت القلم بالسكين ، وخضت الماء برجلي ؛ إذ لا يصح جعل القلم سببا للكتابة ، ولا القدوم سببا للنجارة ، ولا السكين سببا للبري ، ولا الرجل سببا للخوض ، بل السبب غير هذا.