... فعلم أن المرأتين قامتا بماكانتا ملحّتين عليه ... فقال : « إنكن لصويحبات يوسف » ثم بادرإلى الخروج معجّلاً معتمداً على رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ... كما سياتي.
فمن تشبيه حالهنّ بحال صويحبات يوسف يعلم ما كان في ضميرهن ، ويستفاد عدم رضاه صلىاللهعليهوآلهوسلم بفعلهن مضافاً إلى خروجه ...
فلو كان هو الذي أمر أبابكر بالصلاة لما رجع باللوم عليهنّ ، ولا بادر إلى الخروج وهوعلى تلك الحال ...
ولكن شرّاح الحديث ـ الذين لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة ـ اضطربوا في شرح الكلمة ومناسبتها للمقام :
قال ابن حجر : « إن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المامومين القراءة لبكائه ، ومرادها زيادة على ذلك هو أن لا يتشاءم الناس به ، وقد صرحت هي فيما بعد بذلك. بهذا التقرير يندفع إشكال من قال : إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن » (١).
قلت : لكنه كلام بارد ، وتأويل فاسد.
أمّا أوّلاً : ففيه اعتراف بأنّ قول عائشة : « إن أبابكر رجل أسيف فمرعمر أن يصلي بالناس » مخالفة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وردّ عليه منها ، بحيث لم يتحمله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال هذا الكلام.
وأما ثانياً : فلأنه لا يتناسب مع فصاحة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحكمته ، إذ لم يكن صلىاللهعليهوآلهوسلم يشبه الشيء بخلافه ويمثله بضدّه ، وإنما كان يضع المثل في موضعه ... ولا ريب أن صويحبات يوسف إنما عصين الله بان أرادت كل واحدة منهن من يوسف ما أرادته الأخرى وفتنت به كما فتنت به صاحبتها ، فلو كانت عاثشة قد دفعت النبي عن أبيها ولم ترد شرف ذلك المقام
__________________
(١) فتح الباري ٢ / ١٢٠.