آزر أبو إبراهيم ينحت فيها الآلهة ويصورها ، فيجيء الخليل إبراهيم ، صلوات الله عليه وعلى نبينا الكريم ، فيكسرها. وهي اليوم مسجد يجتمع فيه أهل القرية ، وسطحه كله مفروش بفصوص الرخام الملونة ، منتظم كله خواتيم وأشكالا بديعة ، يخيل لمبصرها أنها فرش متقنة مزخرفة ، وهو من المشاهد الكريمة.
وللربوة المباركة أوقاف كثيرة من بساتين وأرض بيضاء ورباع. وهي معينة التقسيم لوظائفها. فمنها ما هو معين باسم النفقة في الأدم للبائتين فيها من الزوار ، ومنها ما هو معين للأكسية برسم التغطية بالليل ، ومنها ما هو معين للطعام ، إلى تقاسيم تستوفي جميع مؤنها ، ومؤن الأمين الراتب فيها برسم الإمامة ، والمؤذن الملتزم خدمتها ، ولهم على ذلك كله مرتب معلوم في كل شهر. وهي خطة من أعظم الخطط.
والأمين فيها الآن من بقية المرابطين المسوفيين (١) ومن أعيانهم ، يعرف بأبي الربيع سليمان بن إبراهيم بن مالك ، وله مكانة من السلطان ووجوه الدولة وله في الشهر خمسة دنانير حاشا فائدة الربوة. وهو متسم بالخير ومرتسم به ، وهو متعلق بسبب من أسباب البر في إيواء أهل الغرب من الغرباء المنقطعين بهذه الجهات ، يسبب لهم وجوه المعايش من إمامة في مسجد ، أو سكنى بمدرسة تجرى عليه فيها النفقة ، أو التزام زاوية من زوايا المسجد الجامع يجبى إليه فيها رزقه ، أو حضور في قراءة سبع ، أو سدانة مشهد من المشاهد المباركة يكون فيه ، ويجري عليه ما يقوم به من أوقافه ، إلى غير ذلك من الوجوه المعاشية على هذه السبيل المباركة ، مما يطول شرحه. فالغريب المحتاج هنا ، إذا كان على طريقة الخير ، مصون محفوظ غير مريق ماء الوجه.
وسائر الغرباء ممن ليس على هذه الحال ، ممن عهد الخدمة والمهنة ، يسبب له أيضا أسباب غريبة من الخدمة. إما بستانا يكون ناطورا فيه ، أو حماما يكون عينا على خدمته ، وحافظا لأثواب داخليه ، أو طاحونة يكون أمينا عليها ، أو كفالة صبيان يؤديهم إلى محاضرهم ويصرفهم إلى منازلهم ، غير ذلك من الوجوه الواسعة.
وليس يؤتمن فيها كلها سوى المغاربة الغرباء ، لأنهم قد علا لهم بهذا البلد صيت في
__________________
(١) المسوفيون : أمراء جزيرة ميورقة ، الواقعة إلى الشرق من مدينة بلنسية الأندلسية.