وبهذه البلدة نحو عشرين مدرسة ، وبها مارستانان قديم وحديث ، والحديث أحفلهما وأكبرهما ، وجرايته في اليوم نحو الخمسة عشر دينارا ، وله قومة بأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك. والأطباء يبكرون إليه في كل يوم ، ويتفقدون المرضى ، ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية ، حسبما يليق بكل إنسان منهم. والمارستان الآخر على هذا الرسم ، لكن الاحتفال في الجديد أكثر. وهذا القديم هو غربي الجامع المكرم. وللمجانين المعتقلين أيضا ضرب من العلاج ، وهم في سلاسل موثقون ، نعوذ بالله من المحنة وسوء القدر. وتندر من بعضهم النوادر الظريفة ، حسبما كنا نسمع به. ومن أعجب ما حدثت به من ذلك : أن رجلا كان يعلم القرآن ، وكان يقرأ عليه أحد أبناء وجوه البلد ممن أوتي مسحة جمال ، واسمه نصر الله ، وكان المعلم يهيم به ، فزاد كلفه حتى اختبل وأدى إلى المارستان. واشتهرت علته وفضيحته بالصبي ، وربما كان يدخله أبوه إليه ، فقيل له : اخرج ، وعد لما كنت عليه من القرآن. فقال متماجنا تماجن المجانين : وأي قراءة بقيت لي؟ ما بقي في حفظي من القرآن شيء سوى : «إذا جاء نصر الله» فضحك منه ومن قوله. ونسأل الله العافية له ولكل مسلم ، فلم يزل كذلك حتى توفي ، سمح الله له.
وهذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام ، والمدارس كذلك. ومن أحسن مدارس الدنيا منظرا مدرسة نور الدين ، رحمه الله ، وبها قبره ، نوره الله. وهي قصر من القصور الأنيقة ، ينصب فيها الماء في شاذروان وسط نهر عظيم ، ثم يمتد الماء في ساقية مستطيلة إلى أن يقع في صهريج كبير وسط الدار. فتحار الأبصار في حسن ذلك المنظر ، فكل من يبصره يجدد الدعاء لنور الدين ، رحمه الله. وأما الرباطات التي يسمونها الخوانق فكثيرة ، وهي برسم الصوفية. وهي قصور مزخرفة ، يطرد في جميعها الماء على أحسن منظر يبصر.
وهذه الطائفة الصوفية هم الملوك بهذه البلاد ، لأنهم قد كفاهم الله مؤن الدنيا وفضولها ، وفرغ خواطرهم لعبادته من الفكرة في أسباب المعايش ، وأسكنهم في قصور تذكرهم قصور الجنان. فالسعداء الموفقون منهم قد حصل لهم بفضل الله تعالى نعيم الدنيا والآخرة. وهم على طريقة شريفة ، وسنة في المعاشرة عجيبة ، وسيرتهم في التزام