جمادى المذكورة ، وأول يوم من شهر أكتوبر. واكترينا في مركب كبير ، نروم الإقلاع إلى مسينة من بلاد جزيرة صقيلة ، والله تعالى كفيل بالتيسير والتسهيل بعزّته وقدرته. وكانت راحتنا مدة مقامنا بصور بمسجد بقي بأيدي المسلمين. ولهم فيها مساجد أخر. فأعلمنا به أحد أشياخ أهل صور من المسلمين أنها أخذت منهم سنة ثماني عشرة وخمسمائة ، وأخذت عكة قبلها باثنتي عشرة سنة بعد محاصرة طويلة وبعد استيلاء المسغبة عليهم. ذكر لنا أنهم انتهوا منها لحال نعوذ بالله منها ، وأنهم حملتهم الأنفة على أن هموا بركوب خطة عصمهم الله منها ، وذلك أنهم عزموا على أن يجمعوا أهاليهم وأبناءهم في المسجد الجامع ، ويحملوا السيف عليهم غيرة من تملك النصارى ، لهم ثم يخرجوا إلى عدوّهم بعزمة نافذة ويصدموهم صدمة صادقة حتى يموتوا على دم واحد ويقضي الله قضاءه. فمنعهم من ذلك فقاؤهم والمتورعون منهم ، وأجمعوا على دفع البلد والخروج منه بسلام. فكان ذلك ، وتفرقوا في بلاد المسلمين. ومنهم من استهواه حب الوطن ، فدعاه إلى الرجوع والسكنى بينهم بعد أمان كتب لهم في ذلك بشروط اشترطوها ، والله غالب على أمره ، سبحانه جلت قدرته ، ونفذت في البرية مشيئته ، وليست له عند الله معذرة في حلول بلدة من بلاد الكفر إلا مجتازا ، وهو يجد مندوحة في بلاد المسلمين ، لمشقات وأهوال يعانيها في بلادهم : منها الذلة والمسكنة الذميمة. ومنها سماع ما يفجع الأفئدة من ذكر من قدس الله ذكره ، وأعلى خطره ، لا سيما من أراذلهم وأسافلهم. ومنها عدم الطهارة ، والتصرف بين الخنازير ، وجميع المحرّمات ، إلى غير ذلك مما لا ينحصر ذكره ولا تعداده. فالحذر الحذر من دخول بلادهم. والله تعالى المسؤول حسن الإقامة والمغفرة من هذه الخطيئة التي زلت فيها القدم ، ولم تتداركها إلا بعد موافقة الندم ، فهو سبحانه وليّ ذلك ، لا رب غيره.
أسرى المسلمين وافتداء المغاربة
ومن الفجائع التي يعانيها من حلّ بلادهم أسرى المسلمين ، يرسفون في القيود ، ويصرفون في الخدمة الشاقة تصريف العبيد ، والأسيرات المسلمات كذلك ، في أسواقهم خلاخيل الحديد ، فتنفطر لهم الأفئدة ولا يغني الإشفاق عنهم شيئا. ومن