بالجص. فالسفن تدخل تحت السور وترسو فيها ، وتعترض بين البرجين المذكورين سلسلة عظيمة تمنع عند اعتراضها الداخل والخارج ، فلا مجال للمراكب إلا عند إزالتها. وعلى ذلك الباب حراس وأمناء ، لا يدخل الداخل ولا يخرج الخارج إلا على أعينهم. فشأن هذه الميناء شأن عجيب في حسن الوضع.
ولعكة مثلها في الوضع والصفة ، لكنها لا تحمل السفن الكبار حمل تلك ، وإنما ترسو خارجها والمراكب الصغار تدخل إليها. فالصورية أكمل وأجمل وأحفل.
فكان مقامنا بها أحد عشر يوما ، دخلناها يوم الخميس وخرجنا منها يوم الأحد الثاني والعشرين لجمادى المذكورة ، وهو آخر يوم من شتنبر ، وذلك أن المركب الذي كنا أملنا الركوب فيه استصغرناه فلم نر الركوب فيه.
ومن مشاهد زخارف الدنيا المحدث بها زفاف عروس شاهدناه بصور في أحد الأيام عند مينائها ، وقد احتفل لذلك جميع النصارى رجالا ونساء ، واصطفوا سماطين عند باب العروس المهداة ، والبوقات تضرب والمزامير وجميع الآلات اللهوية ، حتى خرجت تتهادى بين رجلين يمسكانها من يمين وشمال ، كأنهما من ذوي أرحامها ، وهي في أبهى زي ، وأفخر لباس ، تسحب أذيال الحرير المذهب سحبا على الهيئة المعهودة من لباسهم ، وعلى رأسها عصابة ذهب قد حفت بشبكة ذهب منسوجة ، وعلى لبتها مثل ذلك منتظم ، وهي رافلة في حليها وحللها ، تمشي فترا في فتر مشي الحمامة أو سير الغمامة ، نعوذ بالله من فتنة المناظر. وأمامها جلة رجالها من النصارى في أفخر ملابسهم البهية ، تسحب أذيالها خلفهم ، ووراءها أكفاؤها ونظراؤها من النصرانيات يتهادين في أنفس الملابس ، ويرفلن في أرفل الحلى ، والآلات اللهوية قد تقدمتهم. والمسلمون وسائر النصارى من النظار قد عادوا في طريقهم سماطين يتطلعون فيهم ولا ينكرون عليهم ذلك. فساروا بها حتى أدخلوها دار بعلها ، وأقاموا يومهم ذلك في وليمة. فأدّانا الإتفاق إلى رؤية هذا المنظر الزخرفي المستعاذ بالله من الفتنة فيه.
المسلمون في عكا
ثم عدنا إلى عكة في البحر ، وحللناها صبيحة يوم الاثنين الثالث والعشرين من