صلى الله عليه وسلم. والمهبط لهذه العين على أدراج وطية ، وعليها مسجد بقي محرابه على حاله ، ووضع الافرنج في شرقيه محرابا لهم. فالمسلم والكافر يجتمعان فيه ، يستقبل هذا مصلاه وهذا مصلاه. وهو بأيدي النصارى معظم محفوظ ، وأبقى الله فيه موضع الصلاة للمسلمين.
فكان مقامنا بها يومين ، ثم توجهنا إلى صور يوم الخميس الثاني عشر لجمادى المذكور ، والموفي عشرين لشتنبر المذكور على البر ، واجتزنا في طريقنا على حصن كبير يعرف بالزاب ، وهي مطلة على قرى وعمائر متصلة وعلى قرية مسورة تعرف باسكندرونة ، وذلك لمطالعة مركب بها أعلمنا أنه يتوجه إلى بجاية طمعا في الركوب فيه ، فحللناها عشي يوم الخميس المذكور ، لأن المسافة بين المدينتين نحو الثلاثين ميلا ، فنزلنا بها في خان معد لنزول المسلمين.
ذكر مدينة صور
دمرها الله تعالى وأعادها
مدينة يضرب بها المثل في الحصانة ، لا تلقى لطالبها بيد طاعة ولا استكانة. قد أعدّها الإفرنج مفزعا لحادثة زمانهم ، وجعلوها مثابة لأمانهم. هي أنظف من عكة سككا وشوارع ، وأهلها ألين في الكفر طبائع ، وأجرى إلى برّ غرباء المسلمين شمائل ومنازع. فخلائقهم أسجح (١) ، ومنازلهم أوسع وأفسح. وأحوال المسلمين بها أهون وأسكن ، وعكة أكبر وأطغى وأكفر.
وأما حصانتها ومناعتها فأعجب ما يحدث به ، وذلك أنها راجعة إلى بابين : أحدهما في البر ، والآخر في البحر وهو يحيط بها إلا من جهة واحدة. فالذي في البر يفضى إليه بعد ولوج ثلاثة أبواب أو أربعة ، كلها في ستائر مشيدة محيطة بالباب. وأما الذي في البحر فهو مدخل بين برجين مشيدين إلى ميناء ليس في البلاد البحرية أعجب وضعا منها ، يحيط بها سور المدينة من ثلاثة جوانب ويحدق بها من الجانب الآخر معقود
__________________
(١) أسجح : أسهل وألطف.