صنع الله تعالى وحفي لطفه ، ومعهود فضله ، سبحانه ، هو أهل ذلك ، جلت قدرته ، وتناهت عظمته ، لا إله سواه.
وفي يوم الأربعاء الثالث والعشرين منه تحركت الريح الشرقية نسيما فاترا عليلا ، فاستبشرت النفوس بها رجاء في نمائها وقوتها ، فكانت نفسا خافتا ، ثم بعد ذلك غشى البحر ضباب رقيق سكنت له أمواجه ، فعاد كأنه صرح ممرد من قوارير ، ولم يبق للجهات الأربع نفس يتنسم. فبقينا لاعبين على صفحة ماء ، تخاله العين سبيكة لجين ، كأنا نجول بين سماءين. وهذا الهواء الذي يسميه البحريون الغليني.
وفي ليلة الخميس الرابع والعشرين لرجب المذكور ، وهو أول يوم من نونبر العجمي ، كان للنصارى عيد مذكور عندهم احتفلوا له في إسراج الشمع ، وكاد لا يخلو أحد منهم ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، من شمعة في يده. وتقدم قسيسوهم للصلاة في المركب بهم ، ثم قاموا واحدا واحدا لوعظهم وتذكيرهم بشرائع دينهم ، والمركب يزهر كله أعلاه وأسفله سرجا متقدة. وتمادينا على تلك الحالة أكثر تلك الليلة ، ثم أصبحنا بمثل ذلك الهواء الساكن ، واتصل بنا ذلك إلى ليلة الأحد السابع والعشرين منه ، فتحركت ريح شمالية ، فعاد المركب بها لجريته واستبشرت النفوس ، والحمد لله.
شهر شعبان المكرم
عرفنا الله خيره وبركته
غم هلاله علينا ، فأكملنا عدة أيام رجب ، فهو على الكمال من ليلة الخميس ، بموافقة الثامن من نونبر ، وقد تم لنا على ظهر البحر من يوم إقلاعنا من عكة اثنان وعشرون يوما حتى عدمنا الأنس ، واستشعرنا القنط واليأس ، وصنع الله عزّ وجل مأمول ، ولطفه الحفي بنا كفيل بمنّه وكرمه. وقل الزاد بأيدي الناس ، لكن هم من هذا المركب بمنة الله ، في مدينة جامعة للمرافق ، فكل ما يحتاج شراؤه يوجد ، من خبز ، وماء ، ومن جميع الفواكه والأدم ، كالرمان والسفر جل والبطيخ السندي والكمثرى والشاه بلوط والجوز والحمص والباقلاء نيا ومطبوخا والبصل والثوم والتين والجبن