والله عزّ وجل يعيننا على أداء شكر هذه المنّة والنعمة ، وما تداركنا به من لحظات الرأفة والرحمة ، إنه على ذلك قدير ، وبعوائد الفضل والخير جدير ، لا إله سواه.
ومن جملة صنع الله عزّ وجل لنا ، ولطفه بنا ، في هذه الحادثة ، كون هذا الملك الرومي حاضرا فيها. ولو لا ذلك لانتهب جميع ما في المركب انتهابا ، وربما كان يستعبد جميع من فيه من المسلمين ، لأن العادة جرت لهم بذلك. وكان وصول هذا الملك لهذه البلاد ، بسبب أسطوله الذي ينشئه ، رحمة لنا ، والحمد لله على ما من به علينا من حسن نظره الكفيل بنا ، لا إله سواه.
ذكر مدينة مسينة من جزيرة صقلية
أعادها الله تعالى
هذه المدينة موسم تجار الكفار ، ومقصد جواري البحر من جميع الأقطار ، كثيرة الأرفاق برخاء الأسعار ، مظلمة الآفاق بالكفر ، لا يقر فيها لمسلم قرار ، مشحونة بعبدة الصلبان ، تغص بقاطنيها ، وتكاد تضيق ذرعا بساكنيها ، مملوءة نتنا ورجسا ، موحشة لا توجد لغريب أنسا ، أسواقها نافقة حفيلة ، وأرزاقها واسعة بإرغاد العيش كفيلة ، لا تزال بها ليلك ونهارك في أمان ، وإن كنت غريب الوجه واليد واللسان ، مستندة إلى جبال قد انتظمت حضيضها وخنادقها ، والبحر يعترض أمامها في الجهة الجنوبية منها. ومرساها أعجب مراسي البلاد البحرية ، لأن المراكب الكبار تدنو فيه من البر حتى تكاد تمسه وتنصب منها إلى البر خشبة يتصرف عليها ، فالحمّال يصعد بحمله إليها ولا يحتاج لزوارق في وسقها ، ولا في تفريغها إلا ما كان مرسيا على البعد منها يسيرا. فتراها مصطفة مع البر كاصطفاف الجياد في مرابطها واصطبلاتها ، وذلك لإفراط عمق البحر فيها ، وهو زقاق معترض بينها وبين الأرض الكبيرة ، بمقدار ثلاثة أميال. ويقابلها منه بلدة تعرف برية ، وهي عمالة كبيرة. وهذه المدينة : مسينة ، رأس جزيرة صقلية ، وهي كثيرة المدن والعمائر والضياع ، وتسميتها تطول.
وطول هذه الجزيرة : صقلية سبعة أيام ، وعرضها مسيرة خمسة أيام ، وبها جبل