البركان المذكور ، وهو يأتزر بالسحب لإفراط سموه ويعتمّ بالثلج شتاء وصيفا دائما. وخصب هذه الجزيرة أكثر من أن يوصف ، وكفى بأنها ابنة الأندلس في سعة العمارة ، وكثرة الخصب والرفاهة ، مشحونة بالأرزاق على اختلافها ، مملوءة بأنواع الفواكه وأصنافها ، لكنها معمورة بعبدة الصلبان ، يمشون في مناكبها ، ويرتعون في أكنافها. والمسلمون معهم على أملاكهم وضياعهم ، وقد حسنوا السيرة في استعمالهم واصطناعهم ، وضربوا عليهم إتاوة في فصلين من العام يؤدونها ، وحالوا بينهم وبين سعة في الأرض كانوا يجدونها ، والله عزّ وجل يصلح أحوالهم ، ويجعل العقبى الجميلة مآلهم ، بمنّه. وجبالها كلها بساتين مثمرة بالتفاح والشاه بلوط والبندق والإجاص وغيرها من الفواكه.
ملك صقلية
وثقته بالمسلمين
وليس في مسينه هذه من المسلمين إلا نفر يسير من ذوي المهن ، ولذلك يستوحش بها المسلم الغريب. وأحسن مدنها قاعدة ملكها ، والمسلمون يعرفونها بالمدينة ، والنصارى يعرفونها ببلارمة ، وفيها سكنى الحضريين من المسلمين ، ولهم فيها المساجد ، والأسواق المختصة بهم في الأرباض كثير. وسائر المسلمين بضياعها وجميع قراها ، وسائر مدنها كسر قوسة وغيرها. لكن المدينة الكبيرة التي هي مسكن ملكها غليام أكبرها وأحفلها وبعدها مسينة. وبالمدينة ، إن شاء الله ، يكون مقامنا. ومنها نؤمل سفرنا إلى حيث يقضي الله عزّ وجل من بلاد المغرب إن شاء الله.
وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين واتخاذ الفتيان المجابيب ، وكلهم أو أكثرهم كاتم إيمانه متمسك بشريعة الإسلام. وهو كثير الثقة بالمسلمين ، وساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله ، حتى إن الناظر في مطبخته رجل من المسلمين ، وله جملة من العبيد السود المسلمين ، وعليهم قائد منهم. ووزراؤه وحجابه الفتيان ، وله منهم جملة كبيرة ، هم أهل دولته والمرتسمون بخاصته ، وعليهم