يلوح رونق مملكته ، لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة ، وما منهم إلا من له الحاشية والخول والأتبارع.
ولهذا الملك القصور المشيدة والبساتين الأنيقة ، ولا سيما بحضرة ملكة المدينة المذكورة. وله بمسينة قصر أبيض كالحمامة مطل على ساحل البحر. وهو كثير الاتخاذ للفتيان والجواري. وليس في ملوك النصارى أترف في الملك ولا أنعم ولا أرفه منه. وهو يتشبه في الانغماس في نعيم الملك ، وترتيب قوانينه ، ووضع أساليبه ، وتقسيم مراتب رجاله ، وتفخيم أبهة الملك وإظهار زينته ، بملوك المسلمين. وملكه عظيم جدا. وله الأطباء والمنجّمون ، وهو كثير الاعتناء بهم ، شديد الحرص عليهم ، حتى إنه متى ذكر له أن طبيبا أو منجّما اجتاز ببلده أمر بإمساكه وأدر له أرزاق معيشته حتى يسليه عن وطنه ، والله يعيذ المسلمين من الفتنة به بمنه. وسنه نحو الثلاثين سنة ، كفى الله المسلمين عاديته وبسطته. ومن عجيب شأنه المتحدث به أنه يقرأ ويكتب بالعربية ، وعلامته ، على ما أعلمنا به أحد خدمته المختصين به : الحمد لله حق حمده. وكانت علامة أبيه : الحمد لله شكرا لأنعمه.
وأما جواريه وحظاياه في قصره فمسلمات كلهن. ومن أعجب ما حدثنا به خديمه المذكور ، وهو يحيى بن فتيان الطراز ، وهو يطرز بالذهب في طراز الملك : أن الافرنجية من النصرانيات تقع في قصره فتعود مسلمة ، تعيدها الجواري المذكورات مسلمة. وهن على تكتم من ملكهن في ذلك كله ، ولهن في فعل الخير أمور عجيبة. وأعلمنا أنه كان في هذه الجزيرة زلازل مرجفة ذعر لها هذا المشرك. فكان يتطلع في قصره فلا يسمع إلا ذاكرا لله ولرسوله من نسائه وفتيانه ، وربما لحقتهم دهشة عند رؤيته ، فكان يقول لهم : «ليذكر كل أحد منكم معبوده ومن يدين به» ، تسكينا لهم.
وأما فتيانه الذين هم عيون دولته وأهل عمالته في ملكه فهم مسلمون ، ما منهم إلا من يصوم الأشهر تطوعا وتأجرا ، ويتصدق تقربا إلى الله وتزلفا ، ويفتكّ الأسرى ، ويربي الأصاغر منهم ويزوجهم ويحسن إليهم ، ويفعل الخير ما استطاع. وهذا كله صنع من الله ، عزّ وجل ، لمسلمي هذه الجزيرة وسر من أسرار اعتناء الله ، عزّ وجل ، بهم. لقينا منهم بمسينة فتى اسمه عبد المسيح من وجوههم وكبرائهم ، بعد تقدمه رغبة منه إلينا في ذلك ،