تحفظوا بما عندكم يا حجاج من العمال الممكسين لئلا يقع عليكم. وظن أن عندنا تجارة تقتضي التمكيس. فاستجاب له أحد النصارى ، فقال : ما أعجب أمرك ، يدخلون حرم الملك ، ويخافون من شيء ، ما كنت أود لهم إلا آلافا من الرباعيات ، انهضوا بسلام لا خوف عليكم. فقضينا عجبا مما شاهدناه وسمعناه. وخرجنا إلى أحد الفنادق فنزلنا فيه ، وذلك يوم السبت السادس عشر للشهر المبارك ، والثاني والعشرين لدجنبر ، وفي خروجنا من القصر المذكور سلكنا بلاطا متصلا مشينا فيه مسافة طويلة ، وهو مسقف ، حتى انتهينا إلى كنيسة عظيمة البناء. فاعلمنا أن ذلك البلاط ممشى الملك إلى هذه الكنيسة.
ذكر المدينة التي هي حضرة صقلية
أعادها الله
هي بهذه الجزائر أم الحضارة ، والجامعة بين الحسنين غضارة ونضارة ، فما شئت بها من جمال مخبر ومنظر ، ومراد عيش يانع أخضر ، عتيقة أنيقة ، مشرقة مونقة ، تتطلع بمرأى فتان ، وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان ، فسيحة السكك والشوارع ، تروق الأبصار بحسن منظرها البارع ، عجيبة الشان ، قرطبية البنيان ، مبانيها كلها بمنحوت الحجر المعروف بالكذان ، يشقها نهر معين ، ويطرد في جنباتها أربع عيون ، قد زخرفت فيها لملكها دنياه ، فاتخذها حضرة ملكه الإفرنجي أباده الله. تنتظم بلبتها قصوره انتظام العقود في نحور الكواعب ، ويتقلب من بساتينها وميادينها بين نزهة وملاعب. فكم له فيها ، لا عمرت به ، من مقاصير ومصانع ، ومناظر ومطالع. وكم له بجهاتها من ديارات قد زخرف بنيانها ، ورفه بالأقطاعات الواسعة رهبانها ، وكنائس قد صيغ من الذهب والفضة صلبانها ، وعسى الله عن قريب أن يصلح لهذه الجزيرة الزمان ، فيعيدها دار إيمان ، وينقلها من الخوف للأمان ، بعزّته إنه على ما يشاء قدير.
وللمسلمين بهذه المدينة رسم باق من الإيمان ، يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون الصلاة بأذان مسموع ، لهم أرباض قد انفردوا فيها بسكناهم عن النصارى ، والأسواق معمورة بهم وهم التجار فيها. ولا جمعة لهم بسبب الخطبة المحظورة عليهم ، ويصلون