الأعياد بخطبة دعاؤهم فيها للعباسي. ولهم بها قاض يرتفعون إليه في أحكامهم ، وجامع يجتمعون للصلاة فيه ويحتفلون في وقيده في هذا الشهر المبارك. وأما المساجد فكثيرة لا تحصى ، وأكثرها محاضر لمعلمي القرآن. وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار ، ولا أمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم ولا أبنائهم ، تلافاهم الله بصنع جميل بمنّه.
ومن جملة شبه هذه المدينة بقرطبة ، والشيء قد تشبه بالشيء من إحدى جهاته ، أن لها مدينة قديمة تعرف بالقصر القديم هي في وسط المدينة الحديثة ، وعلى هذا المثال موضوع قرطبة ، حرسها الله. وبهذا القصر القديم ديار كأنها القصور المشيدة ، لها مناظر في الجو مطلة تحار الأبصار في حسنها.
عيد الميلاد
في كنيسة الإنطاكي
ومن أعجب ما شاهدناه بها من أمور الكفران كنيسة تعرف بكنيسة الأنطاكي ، أبصرناها يوم الميلاد ، وهو يوم عيد لهم عظيم ، وقد احتفلوا لها رجالا ونساء ، فأبصرنا من بنيانها مرأى يعجز الوصف عنه ، ويقع القطع بأنها أعجب مصانع الدنيا المزخرفة : جدرها الداخلة ذهب كلها ، وفيها من ألواح الرخام الملون ما لم ير مثله قط ، قد رصعت كلها بفصوص الذهب ، وكللت بأشجار الفصوص الخضر ، ونظم أعلاها بالشمسيات المذهبات من الزجاج ، فتخطفت الأبصار بساطع شعاعها ، وتحدث في النفوس فتنة نعوذ بالله منها. وأعلمنا أن بانيها الذي تنسب إليه أنفق فيها قناطير من الذهب ، وكان وزيرا لجد هذا الملك المشرك. ولهذه الكنيسة صومعة قد قامت على أعمدة سوار من الرخام ملونة ، وعلت قبة على أخرى سوار كلها فتعرف بصومعة السواري ، وهي من أعجب ما يبصر من البنيان ، شرفها الله عن قريب بالأذان ، بلطفه وكريم صنعه.
وزي النصرانيات في هذه المدينة زي نساء المسلمين : فصيحات الألسن ، ملتحفات ، منتقبات ، خرجن في هذا العيد المذكور وقد لبسن ثياب الحرير المذهب ،