منهم يخافون أن يتفق على جميعهم ما اتفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين ، في المدة السالفة ، فإنه لم تزل بهم الملكة الطاغية من النصارى والاستدراج الشيء بعد الشيء حالا بعد حال حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم ، وفر منهم من قضى الله بنجاته ، وحقت كلمة العذاب على الكافرين ، والله غالب على أمره ، لا إله سواه.
ومن عظم هذا الرجل الحمودي المذكور في نفوس النصاري ، أبادهم الله ، أنهم يزعمون أنه لو تنصر لما بقي في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله اتباعا واقتداء به ، تكفل الله بعصمته جميعهم ونجاهم مما هم فيه ، بفضله وكرمه. ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس إشفاقا وتذيب القلوب رأفة وحنانا أن أحد أعيان هذه البلدة وجه ابنه إلى أحد أصحابنا الحجاج راغبا في أن يقبل منه بنتا بكرا صغيرة السن قد راهقت الإدراك ، فإن رضيها تزوجها وإن لم يرضها زوجها ممن رضي لها من أهل بلده ، ويخرجها مع نفسه راضية بفراق أبيها وإخوتها طمعا في التخلص من هذه الفتنة ورغبة في الحصول في بلاد المسلمين. فطاب الأب والإخوة نفسا لذلك ، لعلهم يجدون السبيل للتخلص إلى بلاد المسلمين بأنفسهم ، إذا زالت هذه العقلة المقيدة عنهم. فتأجر هذا الرجل المرغوب إليه بقبول ذلك وأعناه على استغنام هذه الفرصة المؤدية إلى خير الدنيا والآخرة. وطال عجبنا من حال تؤدي بإنسان إلى السماح بمثل هذه الوديعة المعلقة من القلب وإسلامها إلى يد من يغربها واحتمال الصبر عنها ومكابدة الشوق إليها والوحشة دونها. كما أنا استغربنا حال الصبية ، صانها الله ، ورضاها بفراق من لها ، رغبة في الإسلام واستمساكا بعروته الوثقى. والله ، عزّ وجل ، يعصمها ويكفلها ويؤنسها بنظم شملها ويجعل الصنع لها بمنّه. واستشارها الأب فيما هم به من ذلك ، فقالت له : إن أمسكتني فأنت مسؤول عني.
وكانت هذه الصبية دون أم ، ولها أخوان وأخت صغيرة أشقاء لها.
شهر ذي الحجة
عرفنا الله يمنه وبركته
غمّ هلاله علينا لتوالي الأنواء ، فأكملنا أيام شهر ذي القعدة بحسابه من ليلة