الأربعاء السادس لشهر مارس ونحن بهذه المدينة المذكورة طامعين في قرب السفر مستبشرين بطيب الهواء ، والله ييسر مرامنا ويتكفل بسلامتنا بعزّته. واتفق أن أبصرنا الهلال ليلة الأربعاء كبيرا ، فعلم أنه من ليلة الثلاثاء ، فانتقل حساب الشهر إليها.
وفي ظهر يوم الأربعاء التاسع من الشهر المذكور ، والثالث عشر من مارس ، وهو يوم عرفة ، عرفنا الله بركته وبركة الموقف الكريم فيه بعرفات ، كان صعودنا إلى المراكب ، يمنه الله ورزقنا السلامة فيه ، مبيتين للسفر ، قرب الله علينا مسافته. فأصبحنا على ظهر المركب صبيحة يوم عيد الأضحى ، نفعنا الله بمقاساة الوحشة فيه ، ونحن نيف على الخمسين رجلا من المسلمين ، عصم الجميع ونظم شملهم بأوطانهم بمنه وكرمه ، إنه سبحانه كفيل بذلك. ورمنا الإقلاع فلم توافق الريح ، فلم نزل نتردد من المركب إلى البر ، ونبيت للسفر كل ليلة اثني عشر يوما ، إلى أن أذن الله بالإقلاع صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين لذي الحجة المذكور ، والخامس والعشرين لمارس ، فأقلعنا على بركة الله تعالى في ثلاثة مراكب من الروم قد توافقت على الاصطحاب في الجري وأن يمسك المتقدم منها على المتأخر ، فوصلنا إلى جزيرة الراهب ، وقد تقدم ذكرها في هذا التقييد ، وبينها وبين أطرابنش نحو ثمانية عشر ميلا ، فتغيرت الريح علينا ، فملنا إلى مرساها.
فكان من الاتفاق العجيب أن ألفينا فيها مركب مركون الجنوي المقلع من الإسكندرية بنحو مئتي رجل ونيف من أصحابنا الحجاج المغاربة الذين كنا فارقناهم بمكة ، قدسها الله ، في ذي الحجة من سنة تسع ، ولم نسمع لهم خبرا منذ فارقناهم ولا سمعوا لنا. وكان فيهم جماعة من أصحابنا من أهل أغرناطة ، منهم الفقيه أبو جعفر بن سعد صاحبنا ونزيلنا بمكة مدة مقامنا فيها. فلحين ما علموا بنا تطلعوا إلينا من المركب متعلقين بحافاته وجوانبه ، رافعين أصواتهم ببشرى السلامة واللقاء ، مسرورين بالاجتماع ، باكين من الفرح ، دهشين ذاهلين لوقوع المسرة من نفوسهم ، ونحن لهم على مثل تلك الحال. فكان يوما ، مشهودا اتخذناه عقب العيد عيدا جديدا. ونزل الأصحاب بعضهم إلى بعض ، وباتوا وبتنا بأسر ليلة وأنعمها ، وجعلنا هذا الاجتماع عنوانا كريما لما نؤمله من انتظام الشمل بالأوطان ، إن شاء الله عزّ وجل.