وأهب الله علينا ريحا طيبة في سحر تلك الليلة ، وهي ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر المذكور ، فأقلعنا بها ونحن في أربعة مراكب كلها تؤمل جزيرة الأندلس ، بحول الله تعالى ، وسرنا ذلك اليوم كله بريح تزجي المراكب تزجيه حثيثة ، ونحن من الشوق إلى الأندلس بحال تكاد لها النفوس تقوم مقام الرياح في حث الرياح وانزعاجها ، والله يمن بالتسهيل والتعجيل. ثم انقلبت الريح غربية ، بعد مسير يوم وليلتين ، فضربت في وجوهنا فأنكصتنا على الأعقاب فرجعنا عودا على بدء إلى مرسى جزيرة الراهب ، فوصلنا إليه ليلة الخميس الرابع والعشرين من الشهر المذكور.
ثم أقلعنا منه عشي يوم الجمعة بعده منفردين دون المراكب المذكورة. فأزعجتنا ريح شديدة خرق لها المركب في الجري ، فأصبحنا يوم الأحد السابع والعشرين من الشهر ونحن على طرف جزيرة سردانية ، وقد قطعناها جريا ، وطولها أزيد من مئتي ميل ، فاستبشرنا وسررنا. وقدر للمركب في يوم وليلتين قطع نيف على خمسمائة ميل ، فكان أمرا مستغربا. ثم إن الريح الموافقة ركدت عنا وهبت ريح أسقطتنا ليلة الاثنين الثامن والعشرين منه ، وهو أول أبريل ، إلى جهة بر أفريقية ، فأرسينا يوم الاثنين المذكور بجزيرة تعرف بخالطة. وهي جزيرة غير معمورة ، ويقال : إنها كانت معمورة ، في القديم ، وهي مقصد العدو ، وبينها وبين البر المذكور نحو ثلاثين ميلا ، وهو منا رأي العين. فأقمنا بها بعد أهوال لقيناها في دخول مرساها ، عصم الله منها ، وتوالت الأنواء علينا فيها ونحن ننتظر فرجا من الله تعالى. وكان مقامنا فيها أربعة أيام ، آخرها يوم الخميس مستهل محرم.
شهر محرم سنة إحدى وثمانين
عرفنا الله بركتها بمنه
غمّ هلاله علينا فحسبناه على الكمال من ليلة الخميس الرابع لشهر أبريل ، عرفنا الله بركة هذه السنة ويمنها ورزقنا خيرها ووقانا شرها ومن علينا بنظم الشمل فيها ، إنه سميع مجيب.