من أبريل ، عرّفنا الله فيها الخير والخبرة وتمم علينا صنعه الجميل بالوصول إلى الغرض المأمول ، ولا أخلانا من التيسير والتسهيل بعزّته وقدرته ، إنه على ما يشاء قدير.
وفي يوم الأربعاء المذكور ، أجزنا القسم الثاني من النيل في مركب تعدية أيضا بموضع يعرف بدجوة ، وذلك وقت الغداة الصغرى ، وكان نزولنا في مصر بفندق أبي الثناء في زقاق القناديل بمقربة من جامع عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، في حجرة كبيرة على باب الفندق المذكور.
ذكر مصر والقاهرة
وبعض آثارها العجيبة
فأول ما نبدأ بذكره منها الآثاروالمشاهد المباركة التي ببركتها يمسكها الله عزوجل:
فمن ذلك المشهد العظيم الشأن الذي بمدينة القاهرة حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، وهو في تابوت فضة مدفون تحت الأرض ، قد بني عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه ولا يحيط الإدراك به ، مجلل بأنواع الديباج ، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعا أبيض ومنه ما هو دون ذلك ، قد وضع أكثرها في أتوار (١) فضة خالصة ومنها مذهبة ، وعلقت عليه قناديل فضة ، وحفّ أعلاه كله بأمثال التفافيح (٢) ذهبا في مصنع شبيه الروضة يقيد الأبصار حسنا وجمالا ، فيه من أنواع الرخام المجزّع (٣) الغريب الصنعة البديع الترصيع ما لا يتخيله المتخيلون ولا يلحق أدنى وصفه الواصفون.
والمدخل إلى هذه الروضة على مسجد على مثالها في التأنق والغرابة ، حيطانه كلها رخام على الصفة المذكورة ، وعن يمين الروضة المذكورة وشمالها بيتان من كليهما المدخل إليها وهما أيضا على تلك الصفة بعينها ، والأستار البديعة الصنعة من الديباج معلّقة على الجميع. ومن أعجب ما شاهدناه في دخولنا إلى هذا المسجد المبارك ، حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل ، شديد السواد والبصيص ، يصف
__________________
(١) أتوار (جمع تور بفتح التاء وسكون الواو) : الأواني الصغيرة التي توضع فيها الشموع لحمايتها من الريح.
(٢) تفافيح (جمع تفاح) : الأواني الخاصة بحمل القناديل.
(٣) المجزع : فيه سواد وبياض.