السلطان ، فمنهم من له الخمسة دنانير مصرية في الشهر ، وهي عشرة مؤمنية (١) ، ومنهم من له فوق ذلك ومنهم من له دونه. وهذه منقبة كبيرة من مناقب السلطان ، إلى غير ذلك مما يطول ذكره من المآثر التي يضيق عنها الحصر.
مغادرة الإسكندرية
ثم كان الانفصال عنها ، على بركة الله تعالى وحسن عونه ، صبيحة يوم الأحد الثامن لذي الحجة المذكور ، وهو الثالث لأبريل ، فكانت مرحلتنا منه موضع يعرف بدمنهور ، وهو بلد مسور في بسيط من الأرض أفيح (٢) ، متصل من الإسكندرية إليه إلى مصر. والبسيط كله محرث ، يعمه النيل بفيضه ، والقرى فيه يمينا وشمالا لا تحصى كثرة. ثم في اليوم الثاني ، وهو يوم الاثنين ، أجزنا النيل بموضع يعرف بصا في مركب تعدية. واتصل سيرنا إلى موضع يعرف ببرمة فكان مبيتنا بها ، وهي قرية كبيرة فيها السوق وجميع المرافق. ثم بكرنا منها يوم الثلاثاء ، وهو يوم عيد النحر من سنة ثمان وسبعين وخمسمائة المؤرخة ، فشاهدنا الصلاة بموضع يعرف بطندته (٣) وهي من القرى الفسيحة الآهلة ، فأبصرنا بها مجمعا حفيلا ، وخطب الخطيب بخطبة بليغة جامعة. واتصل سيرنا إلى موضع يعرف بسبك وكان مبيتنا بها.
واجتزنا في ذلك اليوم على موضع حسن يعرف بمليج ، والعمارة متصلة والقرى منتظمة في طريقنا كلها. ثم بكرنا منها يوم الأربعاء بعده. فمن أحسن بلد مررنا عليه موضع يعرف بقليوب (٤) على ستة أميال من القاهرة فيه الأسواق الجميلة ومسجد جامع كبير حفيل البنيان ، ثم بعده المنية ، وهو موضع أيضا حفيل ، ثم منها إلى القاهرة ، وهي مدينة السلطان الحفيلة المتسعة ، ثم منها إلى مصر المحروسة. وكان دخولنا فيها إثر صلاة العصر من يوم الأربعاء ، وهو الحادي عشر من ذي الحجة المذكور والسادس
__________________
(١) نسبة إلى عبد المؤمن بن علي الكومي ، مؤسس الدولة الموحدية.
(٢) أفيح (مذكر فيحاء) : الواسع ، ومنه جاء وصف كل من دمشق والبصرة وطرابلس بالفيحاء.
(٣) طندته : مدينة طنطا.
(٤) قليوب : مدينة القليوبية.