وفي أحد الجوامع استمعنا إلى الخطبة اليوم. ويأخذ الخطيب فيها مأخذ سنيّ يجمع فيها الدعاء للصحابة ، رضي الله عنهم ، وللتابعين ومن سواهم ولأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعميه الكريمين حمزة والعباس ، رضي الله عنهما ، ويلطف الوعظ ويرقق التذكير حتى تخشع القلوب القاسية وتتفجر العيون الجامدة. ويأتي للخطبة لابسا السواد على رسم العباسية. وصفة لباسه بردة سوداء عليها طيلسان شرب أسود ، وهو الذي يسمى بالمغرب الإحرام ، وعمامة سوداء ، متقلدا سيفا. وعند صعوده المنبر يضرب بنعل سيفه المنبر في أول ارتقائه ضربة يسمع بها الحاضرين كأنها إيذان بالإنصات ، وفي توسطه أخرى ، وفي انتهاء صعوده ثالثة. ثم يسلم على الحاضرين يمينا وشمالا ويقف بين رايتين سوداوين فيهما تجزيع بياض قد ركزتا في أعلى المنبر. ودعاؤه في هذا التاريخ للإمام العباسي أبي العباس أحمد الناصر لدين الله ، ابن الإمام أبي محمد الحسن المستضيء بالله ، ابن الإمام أبي المظفر يوسف المستنجد بالله ، ثم لمحيي دولته أبي المظفر يوسف بن أيوب صلاح الدين ، ثم لأخيه ولي عهده أبي بكر سيف الدين.
القلعة والمارستان (١)
وشاهدنا أيضا بنيان القلعة وهو حصن يتصل بالقاهرة حصين المنعة ، يريد السلطان أن يتخذه موضع سكناه ، ويمد سوره حتى ينتظم بالمدينتين مصر (٢) والقاهرة. والمسخّرون في هذا البنيان والمتولون لجميع امتهاناته ومؤونته العظيمة كنشر الرخام ونحت الصخور العظام
وحفر الخندق المحدق بسور الحصن المذكور ، وهو خندق ينقر بالمعاول نقرا في
__________________
(١) المارستان (عبارة فارسية مركبة من كلمتين) : دار المرضى ، المستشفى.
(٢) كانوا يطلقون على المدينة داخل السور اسم القاهرة ، وعلى الأحياء الأخرى اسم مصر. فالأهرام وأبو الهول وجامع عمرو بن العاص تقع في ما يسمى مصر ، بينما تقع القلعة والمعالم العمرانية الأخرى في القاهرة. وكان جامع ابن طولون ـ كما يقول ابن جبير ـ يقع بين المدينتين.