الصخر عجبا من العجائب الباقية الآثار ، العلوج الأسارى من الروم وعددهم لا يحصى كثرة ، ولا سبيل أن يمتهن في ذلك البنيان أحد سواهم. وللسلطان أيضا بمواضع أخر بنيان ، والأعلاج يخدمونه فيه. ومن يمكن استخدامه من المسلمين في مثل هذه المنفعة العامة مرفه عن ذلك كله ولا وظيفة في شيء من ذلك على أحد.
ومما شاهدناه أيضا من مفاخر هذا السلطان المارستان الذي بمدينة القاهرة. وهو قصر من القصور الرائقة حسنا واتساعا ، أبرزه لهذه الفضيلة تأجرا واحتسابا ، وعيّن قيما من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها. ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسى. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكفلون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية ، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم.
وبإزاء هذا الموضع ، موضع مقتطع للنساء المرضى. ولهن أيضا من يكفلهن. ويتصل بالموضعين المذكورين موضع آخر متسع الفناء ، فيه مقاصير عليها شبابيك الحديد ، اتخذت محابس للمجانين. ولهم أيضا من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان
يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ، ويؤكد في الاعتناء بها والمثابرة عليها غاية التأكيد. وبمصر مارستان آخر على مثل ذلك الرسم بعينه.
مسجد ابن طولون
ومآثر السلطان العمرانية
وبين مصر والقاهرة المسجد الكبير المنسوب إلى أبي العباس أحمد بن طولون ، وهو من الجوامع العتيقة الأنيقة الصنعة الواسعة البنيان ، جعله السلطان مأوى للغرباء من المغاربة يسكنونه ويحلقون فيه ، وأجرى عليهم الأرزاق في كل شهر. ومن أعجب ما حدثنا به أحد المتخصصين منهم أن السلطان جعل أحكامهم إليهم ، ولم يجعل يدا لأحد عليهم. فقدموا من أنفسهم حاكما يمتثلون أمره ويتحاكمون في طوارئ أمورهم