عنده ، واستصحبوا الدعة والعافية ، وتفرغوا لعبادة ربهم ، ووجدوا من فضل السلطان أفضل معين على الخير الذي هم بسبيله.
وما منها جامع من الجوامع ، ولا مسجد من المساجد ، ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ، ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس ، إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها ، تهوّن عليه في ذلك نفقات بيوت الأموال. ومن مآثره الكريمة المعربة عن اعتنائه بأمور المسلمين كافة ، أنه أمر بعمارة محاضر ألزمها معلمين لكتاب الله ، عز وجل ، يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة ، وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم.
ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر ، وعلى مقدار سبعة أميال منها ، بعد رصيف ابتدئ به من حيز النيل بإزاء مصر كأنه جبل ممدود على الأرض ، تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة ، وهي نحو الأربعين قوسا من أكبر ما يكون من قسيّ القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضى منها إلى الإسكندرية ، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير الملوك الحزمة ، إعدادا لحادثة تطرأ من عدو يدهم جهة ثغر الإسكندرية عند فيض النيل وانغمار الأرض به وامتناع سلوك العساكر بسببه. فأعد ذلك مسلكا في كل وقت إن احتيج إلى ذلك. والله يدفع عن حوزة المسلمين كل متوقع ومحذور بمنّه. ولأهل مصر في شأن هذه القنطرة إنذار من الإنذارات الحدثانية ، يرون أن حدوثها إيذان باستيلاء الموحدين عليها وعلى الجهات الشرقية ، والله أعلم بغيبه ، لا إله سواه.
الأهرام وأبو الهول
وبمقربة من هذه القنطرة المحدثة الأهرام القديمة ، المعجزة البناء ، الغريبة المنظر ،
المربعة الشكل ، كأنها القباب المضروبة قد قامت في جو السماء ، ولا سيما الاثنان منها ، فإنهما يغص الجو بهما سموا ، في سعة الواحد منها من أحد أركانه إلى الركن الثاني ثلاثمائة خطوة وست وستون خطوة ، قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة.