وركبت تركيبا هائلا بديع الإلصاق ، دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها ، محددة الأطراف في رأي العين. وربما أمكن الصعود إليها على خطر ومشقة ، فتلفى أطرافها المحددة كأوسع ما يكون من الرحاب ، لو رام أهل الأرض نقض بنائها لأعجزهم ذلك. وللناس في أمرها اختلاف : فمنهم من يجعلها قبورا لعاد وبنيه ، ومنهم من يزعم غير ذلك. وبالجملة فلا يعلم شأنها إلا الله عز وجل.
ولأحد الكبيرين منها باب يصعد إليه على نحو القامة من الأرض أو أزيد ، ويدخل منه إلى بيت كبير سعته نحو خمسين شبرا وطوله نحو ذلك. وفي جوف ذلك البيت رخامة طويلة مجوفة شبه التي تسميها العامة البيلة ، يقال إنها قبر والله أعلم بحقيقة ذلك. ودون الكبير هرم سعته من الركن الواحد إلى الركن الثاني مئة وأربعون خطوة. ودون هذا الصغير خمسة صغار وثلاثة متصلة ، والاثنان على مقربة منها متصلان.
وعلى مقربة من هذه الأهرام بمقدار غلوة (١) صورة غريبة من حجر قد قامت كالصومعة على صفة آدمي هائل المنظر ، وجهه الأهرام وظهره القبلة مهبط النيل ، تعرف بأبي الأهوال. وبمدينة مصر المسجد الجامع المنسوب لعمرو بن العاص رضي الله عنه. وله أيضا بالإسكندرية جامع آخر ، هو مصلى الجمعة للمالكيين. وبمدينة مصر آثار من الخراب الذي أحدثه الإحراق الحادث بها وقت الفتنة ، عند انتساخ دولة العبيديين (٢) ، وذلك سنة أربع وستين وخمسمائة (٣) ، وأكثرها الآن مستجد والبنيان بها متصل. وهي مدينة كبيرة والآثار القديمة حولها وعلى مقربة منها ظاهرة تدل على عظمة اختطاطها في ما سلف.
وعلى شط نيلها مما يلي غربيها ، والنيل معترض بينهما ، قرية كبيرة حفيلة البنيان تعرف بالجيزة. لها كل يوم أحد سوق من الأسواق العظيمة يجتمع إليها. ويعترض بينها وبين مصر جزيرة ، فيها مساكن حسان وعلالي مشرفة ، وهي مجتمع اللهو والنزهة ، وبينها وبين مصر خليج من النيل يذهب بطولها نحو الميل ولها مخرج له.
__________________
(١) الغلوة : مقدار رمية السهم.
(٢) نسبة لعبيد الله المهدي ، مؤسس الدولة الفاطمية.
(٣) سنة ١١٦٩ م.