وبهذه الجزيرة مسجد جامع يخطب فيه. ويتصل بهذا الجامع المقياس الذي يعتبر فيه قدر زيادة النيل عند فيضه كل سنة. واستشعار ابتدائه في شهر يونيه ، ومعظم انتهائه أغشت (١) وآخره أول شهر أكتوبر. وهذا المقياس عمود رخام أبيض مثمن ، في موضع ينحصر فيه الماء عند انسيابه إليه ، وهو مفصل على اثنتين وعشرين ذراعا ، مقسمة على أربعة وعشرين قسما تعرف بالأصابع. فإذا انتهى الفيض عندهم أن يستوفي الماء تسعة عشر ذراعا منغمرة فيه فهي الغاية عندهم في طيب العام. وربما كان الغامر منه كثيرا بعموم الفيض. والمتوسط عندهم ما استوفى سبعة عشر ذراعا ، وهو الأحسن عندهم من الزيادة المذكورة. والذي يستحق به السلطان خراجه في بلاد مصر ستة عشر ذراعا فصاعدا ، وعليها يعطي البشارة الذي يراعي الزيادة في كل يوم والزيادة في أقسام الذراع المذكورة ويعلم بها مياومة حتى تستوفي الغاية التي يقضي بها. وإن قصر عن ست عشرة ذراعا فلا مجبى للسلطان في ذلك العام ولا خراج.
وذكر لنا أن بالجيزة المذكورة قبر كعب الأحبار رضي الله عنه. وفي صدر الجيزة المذكورة أحجار رخام قد صورت فيها التماسيح ، فيقال : إن بسببها لا تظهر التماسيح فيما يلي البلد من النيل مقدار ثلاثة أميال علوا وسفلا ، والله أعلم بحقيقة ذلك.
فضائل صلاح الدين
ومن مفاخر هذا السلطان المزلفة من الله تعالى وآثاره التي أبقاها ذكرا جميلا للدين والدنيا : إزالته رسم المكس المضروب وظيفة على الحجاج مدة دولة العبيديين. فكان الحجاج يلاقون من الضغط في استيدائها عنتا مجحفا ويسامون فيها خطة خسف باهظة. وربما ورد منها من لا فضل لديه على نفقته ولا نفقة عنده فيلزم أداء الضريبة المعلومة ، وكانت سبعة دنانير ونصف دينار من الدنانير المصرية التي هي خمسة عشر دينارا مؤمنية على كل رأس ، ويعجز عن ذلك ، فيتناول بأليم العذاب بعيذاب كاسمها مفتوحة العين.
__________________
(١) أغشت : شهر أغسطس.