بحول الله عز وجل. والقرى في طريقنا متصلة في شطي النيل والبلاد الكبار حسبما يأتي ذكره ، إن شاء الله. فمنها قرية تعرف بأسكر ، في الضفة الشرقية من النيل ، مياسرة للصاعد فيه. ويذكر أن فيها كان مولد النبي موسى الكليم ، صلّى الله على نبينا وعليه ، ومنها ألقته أمه في اليم ، وهو النيل حسبما ذكر.
وعاينا أيضا بغربي النيل ميامنا لنا ، وذلك كله يوم إقلاعنا المذكور وفي الثاني منه ، المدينة القديمة المنسوبة ليوسف الصديق ، صلّى الله عليه وسلّم ، وبها موضع السجن الذي كان فيه. وهو الآن ينقض وينقل أحجاره إلى القلعة المبتناة الآن على القاهرة ، وهو حصن حصين المنعة. وبهذه المدينة المذكورة أهراء (١) الطعام التي اختزنها يوسف ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهي مجوفة على ما يذكر. ومنها الموضع المذكور بمنية ابن الخطيب ، وهو بلد على شط النيل ميامنا للصاعد فيه ، كبيرة فيه الأسواق والحمامات وسائر مرافق المدن. اجتزنا عليه ليلة الأحد الثالث عشر لمحرم المذكور ، وهو الثامن من يوم إقلاعنا من مصر ، لأن الريح سكنت عنا فتربصنا في الطريق. ولو ذهبنا إلى رسم كل موضع يعترضنا في شطي النيل يمينا وشمالا لضاق الكتاب عنه ، ولكن نقصد من ذلك إلى الأكبر الأشهر.
وقابلنا على مقربة من هذا الموضع ، مياسرا لنا ، المسجد المبارك المنسوب لإبراهيم خليل الرحمن ، صلوات الله عليه وعلى نبينا. وهو مسجد مذكور مشهور معلوم بالبركة مقصود ،
ويقال : إن بفنائه أثر الدابة التي كان يركبها الخليل ، صلّى الله عليه وسلّم. ومنها موضع يعرف بأنصنا ، مياسرا لنا ، وهي قرية فسيحة جميلة بها آثار قديمة ، وكانت في السالف مدينة عتيقة. وكان لها سور عتيق ، هدمه صلاح الدين وجعل على كل مركب منحدر في النيل وظيفة من حمل صخرة إلى القاهرة ، فنقل بأسره إليها.
وفي صبيحة يوم الاثنين الرابع عشر من محرم المذكور ، وهو التاسع من إقلاعنا من مصر ، اجتزنا بالجبل المعروف بجبل المقلة ، وهو بالشط الشرقي من النيل ، مياسرا
__________________
(١) أهراء (جمع هري ـ بضم الهاء وسكون الراء) : مخازن الحبوب.