للصاعد فيه. وهو نصف الطريق إلى قوص ، من مصر إليه ثلاثة عشر بريدا ، ومنه إلى قوص مثلها.
ومما يجب ذكره على جهة التعجب ، أن من حيز مصر في شط النيل الشرقي مياسرا للصاعد فيه حائطا متصلا قديم البنيان ، منه ما قد تهدم ومنه ما بقي أثره ، يتمادى على الشط المذكور إلى أسوان آخر صعيد مصر ، وبين أسوان وبين قوص ثمانية برد. والأقوال في أمر هذا الحائط تتشعب وتختلف ، وبالجملة فشأنه عجيب ولا يعلم سره إلا الله عزّ وجل. وهو يعرف بحائط العجوز ، ولها خبر مذكور ، أظن هذه العجوز هي الساحرة المذكور خبرها في المسالك والممالك التي كانت لها المملكة بها مدة.
ذكر ما استدرك خبره مما أغفل
وذلك أنا لما حللنا الإسكندرية في الشهر المؤرخ أولا ، عاينا مجتمعا من الناس عظيما بروزا لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ووجوههم إلى أذنابها وحولهم الطبول والأبواق. فسألنا عن قصتهم ، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزعا. وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من بحر القلزم (١) ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بكراء اتفقوا معهم عليه. فلما حصلوا بساحل البحر ، سمروا مراكبهم وأكملوا إنشاءها وتأليفا ودفعوها في البحر وركبوها قاطعين بالحجاج ، وانتهوا إلى بحر النعم فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركبا ، وانتهوا إلى عيذاب فأخذوا فيها مركبا كان يأتي بالحجاج من جدة ، وأخذوا أيضا في البر قافلة كبيرة تأتي من قوص إلى عيذاب ، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحدا. وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن ، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل ، كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله ، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام ، ولا انتهى رومي إلى ذلك الموضع قط. ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة ، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة
__________________
(١) بحر القلزم : البحر الأحمر ، نسبة إلى بلدة قليزمة القديمة القريبة من السويس.