الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وإخراجه من الضريح المقدس. أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم. فأخذهم الله باجترائهم عليه ، وتعاطيهم ما تحول عناية القدر بينهم وبينه. ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم. فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والإسكندرية ، دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد المغربة البحريين. فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه ، فأخذوا عن آخرهم. وكانت آية من آيات العنايات الجبارية ، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهر ونصف أو حوله. وقتلوا وأسروا ، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها ، ووجه منهم إلى مكة والمدينة ، وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمرا عظيما ، والحمد لله رب العالمين.
أسيوط وأخميم
ومن المواضع التي اجتزنا عليها في الصعيد بعد جبل المقلة الذي ذكرنا أنه نصف الطريق من مصر إلى قوص ، حسبما تقدم ذكره ، موضع يعرف بمنفلوط ، بمقربة من الشط الغربي ، ميامنا للصاعد في النيل ، فيه الأسواق وسائر ما يحتاج إليه من المرافق. وهي بلدة في نهاية من الطيب ليس في الصعيد مثلها ، وقمحها بجلب إلى مصر لطيبه ورزانة حبته ، قد اشتهر عندهم بذلك. فالتجار يصعدون في المراكب لاستجلابه.
ومنها مدينة أسيوط ، وهي من مدن الصعيد الشهيرة ، بينها وبين الشط الغربي من النيل مقدار ثلاثة أميال. وهي جميلة المنظر ، حولها بساتين النخل ، وسورها سور عتيق.
ومنها موضع يعرف بأبي تيج ، وهو بلد فيه الأسواق وسائر مرافق المدن ، وهو في الشط الغربي من النيل.
ومنها مدينة أخميم ، وهي أيضا من مدن الصعيد الشهيرة المذكورة بشرقي النيل وبشطه ، قديمة الاختطاط عتيقة الوضع ، فيها مسجد ذي النون المصري (١) ، ومسجد داود أحد الصالحين
__________________
(١) ذو النون (أبو الفيض ثوبان) المصري : من كبار الصوفية ، توفي سنة ٢٥٤ ه / ٨٥٩ م.