المشتهرين بالخير والزهادة ، وهما مسجدان موسومان بالبركة ، دخلنا إليهما متبركين بالصلاة فيهما ، وذلك يوم السبت التاسع عشر لمحرم. وبهذه المدينة آثار ومصانع من بنيان القبط وكنائس معمورة الآن بالمعاهدين من نصارى القبط. ومن أعظم الهياكل المتحدث بغرائبها في الدنيا ، هيكل عظيم في شرقي المدينة وتحت سورها ، طوله مئتا ذراع وعشرون ذراعا ، وسعته مئة وستون ذراعا ، يعرف عند أهل هذه الجهة بالبربا (١). وكذلك يعرف كل هيكل عندهم ، وكل مصنع قديم. قد قام هذا الهيكل العظيم على أربعين سارية ، حاشا حيطانه. دور كل سارية منها خمسون شبرا ، وبين كل سارية وسارية ثلاثون شبرا ، ورؤوسها في نهاية من العظم والإتقان ، قد نحتت نحتا غريبا فجاءت مركنة بديعة الشكل ، كأن الخراطين تناولوها ، وهي كلها مرقشة بأنواع الأصبغة اللازوردية وسواها. والسواري كلها منقوشة من أسفلها إلى أعلاها. وقد انتصب على رأس كل سارية منها رأس صاحبتها التي تليها لوح عظيم من الحجر المنحوت ، من أعظمها ما كلنا فيه ستة وخمسين شبرا طولا وعشرة أشبار عرضا وثمانية أشبار ارتفاعا. وسقف هذا الهيكل كله من ألواح الحجارة المنتظمة ببديع الإلصاق ، فجاءت كأنها فرش واحد. وقد انتظمت جميعه التصاوير البديعة والأصبغة الغريبة ، حتى يخيل للناظر فيها أنها سقف من الخشب المنقوش. والتصاوير على أنواع في كل بلاط من بلاطاته ، فمنها ما قد جللته طيور بصور رائقة ، باسطة أجنحتها توهم الناظر إليها أنهاتهم بالطيران ، ومنها ما قد جللته تصاوير آدمية رائقة المنظر رائعة الشكل. قد أعدت لكل صورة منها هيئة هي عليها ، كإمساك تمثال بيدها ، أو سلاح ، أو طائر ، أو كأس ، أو إشارة شخص آخر بيده ، أو غير ذلك ، مما يطول الوصف له ولا تتأتى العبارة لاستيفائه.
وداخل هذا الهيكل العظيم وخارجه وأعلاه وأسفله تصاوير كلها مختلفات الأشكال والصفة ، ومنها تصاوير هائلة المنظر خارجة عن صور الآدميين يستشعر الناظر إليها رعبا ويتملأ منها عبرة وتعجبا. وما فيه مغرز أشفى (٢) ولا إبرة إلا وفيه صورة أو نقش أو خط بالمسند لا يفهم. قد عم هذا الهيكل العظيم الشأن كله هذا
__________________
(١) بربا أو بربة (جعها برابي) : معبد أو مدفن مصري قديم.
(٢) الأشفى : المخرز.