النقش البديع. ويتأتى في صم الحجارة من ذلك مالا يتأتى في الرخو من الخشب ، فيحسب الناظر استعظاما له أن عمر الزمان لو شغل بترقيشه وترصيعه وتزيينه لضاق عنه. فسبحان الموجد للعجائب لا إله سواه. وعلى أعلى هذا الهيكل سطح مفروش بألواح الحجارة العظيمة على الصفة المذكورة ، وهو في نهاية الارتفاع ، فيحار الوهم فيها ، ويضل العقل في الفكرة في تطليعها ووضعها.
وداخل هذا الهيكل من المجالس والزوايا والمداخل والمخارج والمصاعد والمعارج والمسارب والموالج (١) ما تضل فيه الجماعات من الناس ولا يهتدي بعضهم لبعض إلا بالنداء العالي ، وعرض حائطه ثمانية عشر شبرا ، وهو كله من حجارة مرصوصة على الصفة التي ذكرناها. وبالجملة فشأن هذا الهيكل عظيم ومرآه إحدى عجائب الدنيا التي لا يبلغها الوصف ولا ينتهي إليها الحد ، وإنما وقع الإلماع بنبذة من وصفه دلالة عليه ، والله المحيط بالعلم فيه والخبير بالمعنى الذي وضع له. فلا يظن المتصفح لهذا المكتوب أن في الإخبار عنه بعض غلو ، فإن كل مخبر عنه ، لو كان قسا (٢) بيانا ، أو سحبان (٣) يقف موقف العجز والتقصير ، والله المحيط بكل شيء علما ، لا إله سواه.
مشاهد وإجراءات مخزية
وببلاد هذا الصعيد المعترضة في الطريق للحجاج والمسافرين ، كإخميم وقوص ومنية ابن الخطيب ، من التعرض لمراكب المسافرين وتكشفها والبحث عنها وإدخال الأيدي إلى أوساط التجار ، فحصا عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو دنانير ، ما يقبح سماعه وتشنع الأحدوثة عنه. كل ذلك برسم الزكاة ، دون مراعاة لمحلها أو ما يدرك النصاب منها ، حسبما ذكرناه في ذكر الإسكندرية من هذا المكتوب. وربما ألزموهم الأيمان على ما بأيديهم ، وهل عندهم غير ذلك ، ويحضرون كتاب الله العزيز ، تقع اليمين عليه. فيقف
__________________
(١) الموالج : المداخل ، ولعله يقصد الخفية منها.
(٢) قس : هو قس بن ساعدة الإيادي (توفي نحو ٦٠٠ م) : من كبار خطباء العرب ، وهو مضرب المثل بالبلاغة والحكمة. كان من نصارى نجران ، وقيل من أحبارها. وكان يعظ الناس في سوق عكاظ.
(٣) سحبان وائل ، من باهلة (توفي سنة ٦٧٤ م) : خطيب ، كان يضرب به المثل بالفصاحة والبيان.