وفي هذا اليوم المذكور كان فراغنا من حفظ كتاب الله ، عز وجل له الحمد وله الشكر على ما يسر لنا من ذلك. وهذا الماء بأمتان المذكور هو في بئر معينة قد خصها الله بالبركة. وهو أطيب مياه الطريق وأعذبها ، فيلقى فيها من دلاء الوارد ما لا يحصى كثرة فتروي القوافل النازلة عليها على كثرتها ، وتروي من الإبل البعيدة الإظماء ما لو وردت نهرا من الأنهار لأنضبته وأنزفته. ورمنا في هذه الطريق إحصاء القوافل الواردة والصادرة فما تمكن لنا ، ولا سيما القوافل العيذابية المتحملة لسلع الهند الواصلة إلى اليمن ، ثم من اليمن إلى عيذاب. وأكثر ما شاهدنا من ذلك أحمال الفلفل ، فلقد خيل إلينا لكثرته أنه يوازي التراب قيمة.ومن عجيب ما شاهدناه بهذه الصحراء ، أنك تلتقي بقارعة الطريق أحمال الفلفل والقرفة وسائرها من السلع ، مطروحة لا حارس لها تترك بهذه السبيل ، إما لإعياء الإبل الحاملة لها أو غير ذلك من الأعذار ، وتبقى بموضعها إلى أن ينقلها صاحبها مصونة من الآفات ، على كثرة المارة عليها من أطوار الناس.
ثم كان رفعنا من أمتان المذكور صبيحة يوم الاثنين بعد الأحد المذكور. ونزلنا على ماء بموضع يعرف بمجاج بمقربة من الطريق ظهر يوم الاثنين المذكور. ومنه تزودنا الماء لأربعة أيام إلى ماء بموضع يعرف بالعشراء على مسافة يوم من عيذاب. ومن هذه المرحلة المجاجية يسلك الوضح ، وهي رملة ميثاء (١) تتصل بساحل بحر جدة ، يمشى فيها إلى عيذاب إن شاء الله ، وهي أفيح من الأرض مد البصر يمينا وشمالا. وفي ظهر يوم الثلاثاء الثامن العشرين من الشهر المذكور كان رفعنا من مجاج المذكور سالكين على الوضح.
شهر ربيع الأول
عرفنا الله بركته
استهل هلاله ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر يونيه ، ونحن بآخر الوضح على نحو ثلاث مراحل من عيذاب. وفي وقت الغداة من يوم الجمعة المذكور كان
__________________
(١) ميثاء : لينة ، يسهل السير عليها.