حفت بأركانها يكون عليها مظلة ، فيكون الراكب فيها مع عديله في كنّ (١) من لفح الهاجرة ويقعد مستريحا في وطائه (٢) ومتكئا ويتناول مع عديله ما يحتاج إليه من زاد وسواه ويطالع متى شاء المطالعة في مصحف أو كتاب. ومن شاء ، ممن يستجيز اللعب بالشطرنج ، أن يلاعب عديله تفكها وإجماما (٣) لنفس لاعبه. بالجملة فإنها مريحة من نصب السفر. وأكثر المسافرين يركبون الإبل على أحمالها فيكابدون من مشقة سموم الحر غما ومشقة. وفي هذا الماء وقعت بين بعض جمّالي العرب اليمنيين أصحاب طريق عيذاب وضمّانها ، وهم من بليّ من أفخاذ قضاعة ، وبين بعض الأغزاز (٤) بسبب التزاحم على الماء ، مهاوشة كادت تفضي إلى الفتنة ثم عصم الله منها.
والقصد إلى عيذاب من قوص على طريقين : أحدهما يعرف بطريق العبدين ، وهي هذه التي سلكناها ، وهي أقصر مسافة ؛ والآخر طريق دون قنا ، وهي قرية على شاطئ النيل. ومجتمع هاتين الطريقين على مقربة من ماء دنقاش المذكور. ولهما مجتمع آخر على ماء يعرف بشاغب ، أمام ماء دنقاش بيوم.
فلما كان عشاء يوم الاثنين المذكور تزودنا الماء ليوم وليلة ورفعنا إلى ماء بموضع يعرف بشاغب ، فوردناه ضحوة يوم الأربعاء الثاني والعشرين لصفر المذكور. وهذا الماء ثماد (٥) يحفر عليه في الأرض فتسمح به قريبا غير بعيد ، إلا أنه زعاق (٦). ثم رحلنا منه سحر يوم الخميس بعده وتزودنا الماء لثلاثة أيام إلى ماء بموضع يعرف بأمتان ، وتركنا طريق الماء بموضع يعرف با ... يسارا ، وليس بينه وبين شاغب غير مسافة يوم ، والطريق عليه وعر للإبل.
فلما كان ضحوة يوم الأحد السادس والعشرين لصفر المذكور نزلنا بأمتان المذكور
__________________
(١) الكن : الوقاء والستر.
(٢) الوطاء : ما يفترشه المرء ويستريح عليه.
(٣) الإجمام : الترويح عن النفس.
(٤) الأغزاز (جمع غز ، بضم الغين) : قوم من الترك ، أصلهم من آسيا الوسطى.
(٥) الثماد : حفرة أو حوض صخري يجتمع فيه ماء المطر.
(٦) الزعاق : الماء المر ، لا يطاق شربه