شهر صفر
عرفنا الله يمنه وبركته
استهل هلاله ليلة الأربعاء ، وهو الخامس والعشرون من شهر مايه ، ونحن بقوص نروم السفر إلى عيذاب ، يسر الله علينا مرامنا بمنّه وكرمه. وفي يوم الاثنين الثالث عشر منه ، وهو السادس من يونيه ، أخرجنا جميع رحالنا من زاد وسواه إلى المبرز ، وهو موضع بقبلي البلد وعلى مقربة منه ، فسيح الساحة ، محدق بالنخيل ، يجتمع فيه رحال الحاج والتجار وتشد فيه ومنه يستقلون ويرحلون ، وفيه يوزن ما يحتاج وزنه على الجمّالين. فلما كان إثر صلاة العشاء الآخرة رفعنا منه إلى ماء يعرف بالحاجر فبتنا به. وأصبحنا يوم الثلاثاء بعده مقيمين به بسبب تفقد بعض الجمالين من العرب لبيوتهم ، وكانت على مقربة منهم ، وفي ليلة الأربعاء الخامس عشر منه ، ونحن بالحاجر المذكور ، خسف القمر خسوفا كليا أول الليل وتمادى إلى هدء (١) منه. ثم أصبحنا يوم الأربعاء المذكور ظاعنين ، وقلنا (٢) بموضع بقلاع الضّياع. ثم كان المبيت بموضع يعرف بمحط اللقيطة ، كل ذلك في صحراء لا عمارة فيها.
ثم غدونا يوم الخميس فنزلنا على ماء ينسب للعبدين ، ويذكر أنهما ماتا عطشا قبل أن يرداه فسمي ذلك الموضع بهما ، وقبراهما به ، رحمهما الله. ثم تزودنا منه الماء لثلاثة أيام ، وفوزنا سحر يوم الجمعة السابع عشر منه ، وسرنا في الصحراء نبيت منها حيث جن علينا الليل ، والقوافل العيذابية والقوصية صادرة وواردة ، والمفازة معمورة أمنا.
فلما كان يوم الاثنين الموفي عشرين منه نزلنا على ماء بموضع يعرف بدنقاش ، وهي بئر معينة يرد فيها من الأنعام والأنام ما لا يحصيهم إلا الله عز وجل ، ولا يسافر في هذه الصحراء إلا على الإبل لصبرها على الظمأ. وأحسن ما يستعمل عليها ذوو الترفيه الشقاديف ، وهي أشباه المحامل ، وأحسن أنواعها اليمانية لأنها كالأشاكيز السفرية مجلدة متسعة ، يوصل منها الاثنان بالحبال الوثيقة وتوضع على البعير ولها أذرع قد
__________________
(١) الهدء : هزيع من الليل.
(٢) قلنا (من القيلولة) والفعل : قال يقيل ، أي استراح أو نام في منتصف النهار.