يضرب فيه النيل ولا يعلوه عند فيضه ومده ، فالقرية بسببه في أمن من أتيه (١). ومنها موضع يعرف بالبلينة ، وهي قرية حسنة كثيرة النخل ، بالشط الغربي من النيل ، بينها وبين قوص أربعة برد. ومنها موضع يعرف بدشنة بالشط الشرقي من النيل ، وهي مدينة مسورة فيها جميع مرافق المدن ، وبينها وبين قوص بريدان.
ومنها موضع بغربي النيل ، وعلى مقربة من شطه ، يعرف بدندرة. وهي مدينة من مدن الصعيد ، كثيرة النخل مستحسنة المنظر مشتهرة بطيب الرطب ، بينها وبين قوص بريد وذكر لنا أن فيها هيكلا عظيما ، وهو المعروف عند أهل هذه الجهات بالبربا ، حسبما ذكرنا عند ذكر أخميم ، وهيكلها يقال أن هيكل دندرة أحفل منه وأعظم.
ومنها مدينة قنا ، وهي من مدن الصعيد ، بيضاء أنيقة المنظر ذات مبان حفيلة ، ومن مآثرها المأثورة صون نساء أهلها والتزامهن البيوت ، فلا تظهر في زقاق من أزقتها امرأة البتة ، صحت بذلك الأخبار عنهن ، وكذلك نساء دشنة المذكورة قبيل هذا. وهذه المدينة المذكورة في الشط الشرقي من النيل ، وبينها وبين قوص نحو البريد. ومنها قفط ، وهي مدينة بشرقي النيل وعلى مقدار ثلاثة أميال من شطه. وهي من المدن المذكورة في الصعيد حسنا ونظافة بنيان وإتقان وضع.
ثم كان الوصول إلى قوص يوم الخميس الرابع والعشرين لمحرم المؤرخ وهو التاسع عشر من مايه ، فكان مقامنا في النيل ثمانية عشر يوما ودخلنا قوص في التاسع عشر. وهذه المدينة حفيلة الأسواق ، متسعة المرافق ، كثيرة الخلق لكثرة الصادر والوارد من الحجاج والتجار اليمنيين والهنديين وتجار أرض الحبشة ، لأنها مخطر للجميع ، ومحط للرحال ومجتمع الرفاق ، وملتقى الحجاج المغاربة والمصريين والإسكندريين ومن يتصل بهم. ومنها يفوزون (٢) بصحراء عيذاب ، واليها انقلابهم في صدرهم من الحج ، وكان نزولنا فيها بفندق ينسب لابن العجمي بالمنية ، وهي ربض (٣) كبير خارج المدينة ، على باب الفندق المذكور.
__________________
(١) الأتي (بكسر التاء وتشديد الياء) : السيل والفيضان.
(٢) فوز (بتشديد الواو) : دخل المفازة ، وهي الفلاة والصحراء الواسعة.
(٣) الربض : ما حول المدينة ، أو خارج سورها ، من بيوت وساحات ومرافق.