مقدمة المراجع
وحده المسافر يختبر جمال الانتماء وأهمية الأرض الأولى ، ويتغلغل بعيدا في اكتشاف ذاته. وبعيدا عن السائد حول مدرسة السفر وفوائدها السبعة التي يمكن أن يجنيها المسافر والمتمثلة في تفريج الهم واكتساب المعيشة وتحصيل العلم وصحبة الأماجد ، فإن في السفر تأصيل للانتماء الأول بما يثيره من أشواق إليه عند ما تبعد بنا المسافات ، وبما يتوفر لنا من فرصة لتأمل بعض أشياء الوطن لم نكن لنتأملها ونحن نرتع في مرابعه أو سهوبه الخضراء أو أراضيه القاحلة ، لا فرق بينها جميعا من جهة الانتماء.
هذه الأشياء قد تكون وجبة غذائية اعتدنا عليها بطقس خاص أو جلسة مع أصدقاء يمنحون اللقاء خصوصية أو شجرة أو نهرا أو وقتا ما أو نسمة بواد معين أو رائحة كرائحة طلع النخيل أو صوتا كصوت هدير الفلج ، أو غير ذلك من تجارب شديدة الخصوصية.
استحضر هذه المعاني وأنا أقرأ هذه المادة الفريدة المتصلة بأدب الرحلة الذي هو من أمتع الأجناس الأدبية وأقربها إلى المتلقين جميعا باختلاف ثقافاتهم ومعارفهم ، لما يبرزه من خصوصية وذاتية هي أسمى ما في الأعمال الأدبية. إضافة إلى الجانب الشائق في السرد