فكان يحضر مجالس أبيه العلمية ، وخاصة مجالس النحو واللغة ، ثم ينصرف إلى دكانه التي كان يعمل فيها سمانا (١) يضمن لنفسه عيشا أفضل.
غير أن ميله إلى العلم سرعان ما غلبه على أمره ، واستحوذ على كل جهده واهتمامه ، وذلك في موقف كان يمكن أن يمر دون أن يترك أثرا ، روى خبره أبو العلاء المعري فقال :
«حدثني عبد السلام البصري خازن دار العلم ببغداد ـ وكان لي صديقا صدوقا ـ قال : كنت في مجلس أبي سعيد السيرافي ، وبعض أصحابه يقرأ عليه (إصلاح المنطق) لابن السكّيت ، فمضى ببيت حميد بن ثور ، وهو :
ومطويّة الأقراب أما نهارها |
|
فسبت ، وأما ليلها فذ ميل |
«فقال أبو سعيد : ومطوية ، أصلحه بالخفض ، ثم التفت إلينا فقال : هذه واو ربّ ، فقلت : أطال الله بقاء القاضي ، إن قبله ما يدل على الرفع .. فقال : وما هو؟ فقلت :
أتاك بي الله الذي أنزل الهدى |
|
ونور وإسلام عليك دليل |
ومطوية الأقراب ...
«فعاد وأصلحه. وكان ابنه أبو محمد حاضرا ، فتغير وجهه لذلك ، فنهض لساعته ووقته ـ والغضب يستطير في شمائله إلى دكانه ، فباعها واشتغل بالعلم إلى أن برع فيه وبلغ الغاية ، فعمل شرح [أبيات] إصلاح المنطق» (٢). نذكر هذا دون أن نغفل ما تقدم من قول في استعداد ابن السيرافي للاعتكاف العلمي ـ استمرارا لتاريخ
__________________
(١) وفيات الأعيان ٦ / ٧١
(٢) وفيات الأعيان ٦ / ٧٠