سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ثم عاد إلى اليمن ، وصحب أبا الحسن على المعروف بالطواشي فانتفع به ، وسلك على يديه وحبب الله إليه الخلوة والانقطاع ، ورجع منها إلى مكة في سنة ثمان عشرة ، وسمع بها بقراءته غالبا على الرضي الطبري الكبير جدا وعلى النجم الطبري وبحث عليه الحاوي والتنبيه ، وكان يقول في حال قراءته عليه للحاوي استفدت معك أكثر مما استفدت معي ، وقد قرأته مرارا ما فهمته مثل هذه المرة ، ولما قرعه قال لمن حضر : اشهدوا عليّ أنه شيخي فيه. وجاء إلى مكانه في ابتداء قراءته فخاطبه بقراءته عليه ، كل ذلك من التواضع وحسن الاعتقاد والمحبة في الله والوداد ، كل هذا بأخبار العفيف. وكان عارفا بالفقه والأصلين والعربية والفرائض والحساب وغيرها من فنون العلم ، مع نظم كثير ، دون منه نحو عشرة كراريس كبار وتآليف في فنون العلم منها : «المرهم في أصول الدين ، وقصيدة نحو ثلاثة آلاف بيت في العربية وغيرها ، وقال : إنها تشمل على قريب عشرين علما بعضها متداخل كالتصريف مع البحور والقوافي مع العروض ونحوها ، وتاريخ ابتدائه من أول الهجرة ، وروض الرياحين في أخبار الصالحين ، والذيل عليه والإرشاد والتطريز ، والدرة المستحسنة في تكرير العمرة في السنة. وكان كثير العبادة والورع وافر الصلاح والعزلة والإيثار للفقراء والانقباض عن بني الدنيا مع إنكاره عليهم ، ولذا نالته ألسنتهم ونسبوه إلى حب الظهور وتطرقوا للكلام فيه بسبب مقالة قالها وهي قوله في قصيدة :
ويا ليلة فيها السعادة والمنى |
|
لقد صغرت في جنبها ليلة القدر |
حتى أن الضياء الحموي كفره به ، وأبى ذلك غير واحد من علماء عصره وأبدوا له وجها ، وكذلك أخذ عليه في كلمات وقعت منه تقتضي تعظيمه لأمره ، ورحل إلى الشام في سنة أربع وثلاثين وزار القدس والخليل ودخل مصر مختفيا وزار الشافعي وغيره والصعيد ، كل هذا على قدم التجريد. ولم تفته حجة في تلك السنين ثم عاد إلى مكة ، وأنشأ لسان الحال يقول
فألقت عصاها ، واستقر بها النوى |
|
كما قر عينا بالإياب المسافر |
وتصدى للتصنيف والإقراء والإسماع ، وكأنه أوقاته مصروفة في وجوه البر وأكثرها العلم وممن أخذ عنه : الزين العراقي والجمال بن ظهيرة ، وأثنى عليه البدر بن حبيب في تاريخه والأسنوي في طبقاته وقال : إنه جاور بالمدينة مرارا ، مرة منها مدة ، وماتت فيها زوجتين به وهما زينب وخديجة الاثنين في سنة ست وستين وسبعمائة. (وأثنى عليه) الخزرجي في تاريخ اليمن. قال ابن فرحون : الشيخ العالم العامل قطب زمانه كان ـ قبل