وتحقيق الزيادة في أولية الاستقراء والاستنباط. إذ قد يتوصل الكثيرون إلى ذلك فيما بعد بنظام أفضل ، ومواصفات متكاملة ، فيكون الرائد في الاكتشاف أو الاختراع قد سبق الآخرين وحقق ما لم يحققوه دون إعجاز كما هي الحال في التقنيات الحديثة ؛ وإنما الإعجاز هي التفرد بالشيء في محور إلهي على يد الأنبياء بين يدي رسالاتهم على سبيل التحدي ، فالسبق إلى الاكتشاف كيفية مشتركة بين فرد أو جماعات على نحو الإبتكار ، لا على سبيل التحدي ، والمعجزة مختصة بالنبي على سبيله ، فالمبتكر ـ إذن ـ يحقق سبقاً علمياً ، والمتحدي يحقق إعجازاً إلهياً ، وفرق بين الأمرين.
والمعجزة الالهية في هذا الملحظ على نوعين : وقتية ودائمية ، وجميع معاجز الأنبياء وقتية ـ كما يدل عليه الاستقراء ـ ذهبت بذهابهم ، إلا معجزة محمد وهي القرآن فإنها باقية ما بقي الدهر ؛ على أن النبي قد شارك سائر الأنبياء في معاجزهم الموقوتة ، فكان له انشقاق القمر وتسبيح الحصى ، وسعي الأشجار ، وشهادة الغيب ... الخ.
ومعجزة كل نبي شيء ورسالته شيء آخر ، فمعجزة موسى عليهالسلام في العصا واليد البيضاء والآيات البينات ، ولكن رسالته هي التوراة. ومعجزة عيسى في إبراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى بإذن الله تعالى ، ولكن رسالته هي الانجيل ، إلا نبينا محمد فإن معجزته عين رسالته ، ورسالته هي معجزته ، وهما معاً القرآن (١).
وبراعة الإعجاز تتجلى في ملائمة قضية الإعجاز لكل نبي بما يلائم عصره ، وينسجم مع فنون جيله ، ويعزى إلى حياة قومه فيما هو طبيعي أو خارق دون تحد.
وكان الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام أول من نبه إلى هذه الحقيقة العالية فيما رواه ابن السكيت ( ت : ٢٤٤ ه ) قال ابن السكيت للإمام الرضا عليهالسلام : « لماذا بعث الله موسى بن عمران عليهالسلام بالعصا ويده البيضاء ، وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكلام والخطب ؟ فقال الإمام الرضا : إن الله لمّا بعث موسى عليهالسلام كان الغالب على أهل
__________________
(١) ظ : مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ١٣٠.