فالتراب هو الأصل التركيبي والانشائي للانسان ، والنطفة هي الأصل الفطري للتناسل ، والعلقة : القطعة من الدم الجامد ، والمضغة القطعة من اللحم الممضوغة ، المخلّقة على ما قبل تامة الخلقة ، وغير المخلّقة غير تامة الخلقة ، وينطبق ذلك على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه ، وعليه ينطبق القول بأن المراد بالتخليق هو التصوير (١).
هذا السرد التدريجي في تركيبة النسل الرحمي مما يرفع التشكيك في البعث والنشور ، فإن من تدرج بالانسان من التراب إلى النطفة ، ومن النطفة إلى العلقة ، ومن العلقة إلى المضغة ، إلى التخليق في الصورة ، إلى الكائن الحي الناطق ، وهي مجموعة من التقلبات المختلفة حتى تصل إلى حين قبول الحياة ، لقادرٌ على إمكانية تمتع الانسان بعد الموت بالحياة ، نشراً وحشراً ، ذاتاً وعيناً ، روحاً وبدناً.
والقرآن الكريم يؤكد حقيقة الخلق الاعجازي والطبيعي لا في التركيب بل في الانفصال الأولي والالتقاء الثانوي ، فالانسان ترابي الأصل ، منويّ التفريع في التكوين ، فله تعالى وحده الحديث عن دقة الصنع وعظمة الخلق ، ومساحة المصنع التكويني الذي لا يتجاوز الرحم في صغره ، ليتولد منه هذا الانسان ، يقول تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ (١٤) ) (٢).
وفي الآية ردٌّ على نظرية الأستاذ ( دارون ) في النشوء والارتقاء ، فالانسان خُلِقَ متطوراً بعد هذه الأطوار.
وفي هذه الآيات تتجلىٰ القدرة الباهرة في تطويع السلالة الانسانية حيث التدرج التكويني من البسيط إلى المركب ، ومن الصعب إلى الأصعب ، فهذه المواد الأولية في التركيب للكيان الانساني : تراب ، نطفة ، علقة ، مضغة ، عظام ، لحم ، تكوّن جسماً ما ولكن ذلك يترتب عليه خلقٌ
__________________
(١) ظ : الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن : ١٤ / ٣٤٤.
(٢) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.