أبلى هود بلاءً حسناً ، حتى قالوا عنه كما حكى القرآن ذلك : ( إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) (١). وجادلهم هود في الله ، وأبلغ في الدعوة والدعاء ، وذكّرهم بآلاء الله : ( لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢).
وحذرهم هود ما أستطاع إلى ذلك سبيلاً ، ولكنهم ركبوا رؤوسهم ، واتبعوا أهواءهم ، وتركوا العقل جانباً ، واستعجلوا العذاب ، فأنبئهم بما حكاه سبحانه وتعالى : ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) (٣). فقطع دابرهم ، واستئصلت شأفتهم ، ونجا هود والمؤمنون : ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) ) (٤).
وأرسل الله صالحاً بالرسالة إلى ثمود وهم من العرب البائدة في معجزة بينّة ـ بناء على طلبهم ـ وهي الناقة آية لهم من الله ، قال تعالى : ( وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ) (٥). فكذبوه بعد أن أعذر إليهم ، وأقدموا على عقر الناقة ، وقد كانت لهم غذاء ورواءً ، ولكنه الطغيان الكامن في نفوس القوم الظالمين ، ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) ) (٦).
وهكذا تتوالى الرسالات بالتوحيد ، ويتوالى الاستكبار والتكذيب ، ولم تكن للناس على الله الحجة ، فقد تابع الرسل والنبيين ، يوقظون الغافل ، ويحركون روح الحياة في النفوس ، فأرسل لوطاً وشعيباً ، فكذبوا ذلك ، وكان عذاب الاستئصال يسوّي آثارهم ، وينسف ديارهم ، فبالنسبة
__________________
(١) الأعراف : ٦٦.
(٢) الأعراف : ٦٩.
(٣) الأعراف : ٧١.
(٤) الأعراف : ٧٢.
(٥) الأعراف : ٧٣.
(٦) الأعراف : ٧٨.