خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة طويلة أو قصيرة ـ لتبين له في نظامها ومخرجها ، وفي لفظها وطبعها أنه عاجز عن مثلها ، ولو تجدي بها أبلغ العرب لظهر عجزه عنها » (١). فعبارة القرآن إذن من سنخ ما يعرفون ويدركون ، ولكنها ليس من جنس ما يحسنون لا كمّاً ولا كيفاً ، فطلب إليهم الأتيان بمثله فما أستطاعوا ، وتنزل على عشر سورة فما أطاقوا ، فتحداهم بسورة واحدة فقال : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) ) (٢) وقد دل الاستقراء أن أقصر سور القرآن هي الكوثر بسم الله الرحمن الرحيم : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (٣) ) (٣).
فما بال الأمم لا تأتي بسطر واحد من هذا الجنس ؟ وإذا كان القرآن قد أعجز العرب ، فغير العرب أشد عجزاً لأمرين :
الأول : أن العرب هم أهل اللسان ، وقد عجزوا عن مجاراة القرآن ، فغير أهل اللسان عاجزون من باب أولى.
الثاني : أن اللغة العربية الشريفة ليست لغزاً من الألغاز ، وهي قابلة للتعلم ، وقد نبغ فيها كثير من مسلمي غير العرب ، وأتقنها حملة من المستعربين والمستشرقين حتى ترجموا القرآن إلى لغاتهم وقدموا أفضل الدراسات القرآنية ، وإنما التحدي أو يتحدى الإعجاز القرآني من كل أمة علماءها ، وعلماء الأمم يتمكنون من العربية ، فتوجه إليهم التحدي وعجزوا عن ذلك في كل زمان ومكان.
( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) ) (٤).
وقد يقال بأن الله قد صرف قلوب الناس ، وحبس ألسنتهم عن أن
__________________
(١) الجاحظ ، رسائل الجاحظ ، تحقيق السندوبي : ١٢٠.
(٢) البقرة : ٢٣.
(٣) الكوثر : ١ ـ ٣.
(٤) الإسراء : ٨٨.