يأتوا بمثل هذا القرآن ، فيسمى ذلك إعجازاً بالصرفة ، وهو رأي المعتزلة (١).
ولكن الرأي الأمثل ، أن الله قد يسر جميع القدرات البيانية ، ووهب مستلزمات البلاغة للناس وتحداهم فلم يتمكنوا من الأتيان بمثل لهذا القرآن ، وذلك أبلغ في الإعجاز.
فما هي وجوه هذا الإعجاز في القرآن وما هي مظاهره ؟ أحاول فيما يلي أن أضع ملخصاً بأبرز وجوه الاعجاز ومظاهره على نحو الإجمال.
١ ـ الإعجاز الغيبي ، ويتمثل بما تحدث عنه القرآن الكريم بضرس قاطع في الأنباء عن الغيب الماضي والمستقبلي :
أ ـ عرض القرآن سيرة الأمم السالفة وجزئيات أحداثها ، وكبريات أنبائها بلهجة الجزم واليقين ، فأخبر عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وذي القرنين وأهل الكهف ، وقوم عاد وثمود ولوط وشعيب ، وجمهرة عظيمة ممن أصابهم عذاب الاستئصال بمجريات أحوالهم بما يعتبر كشفاً لأدق التفصيلات التأريخية بما لا علم لأحد به على وجه الكمال ، وهي حالة لا عهد بها للمجتمع العربي في مكة ، مما كعلهم يتهافتون على هذه الأخبار ، ويتمثلون وقائعها بالمقياس التأريخي للإفادة من عبرها وأحداثها ومواردها.
ب ـ وتحدث القرآن عن الأحداث المستقبلية بلغة التأكيد بعدة مناسبات أبرزها ، وقعة بدر ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) ) (٢) وغلبة الروم وانتصارها فيما بعد ( الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) ) (٣).
وعن فتح مكة ( لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (٤) وهزمت قريش بعليائها وجبروتها في معركة بدر الكبرى ، وانتصر الروم على
__________________
(١) ظ : عبد الكريم الخطيب ، الاعجاز في دراسات السابقين : ١٧٦ ـ ١٧٨.
(٢) القمر : ٤٥.
(٣) الروم : ١ ـ ٣.
(٤) الفتح : ٢٧.