الفرس بعد سنين من غلبة الفرس (١) ، ودخل النبي مكة فاتحاً ، وقد كان فتح مكة غير وارد في الحساب التخطيطي ، إذ كيف يمكن لهذا المهاجر مع طائفة قليلة من أهل بيته وأصحابه وهو ضعيف مستضعف ، أن يقتحم جبروت قريش ويغزوها في عقر دارها ، وكان ذلك دليلاً واضحاً ومنتشراً في البلاد على الاعجاز الغيبي ..
٢ ـ الإعجاز التشريعي : ويتمثل بما فصله القرآن بآيات الأحكام وفقه القرآن بما لا عهد لمناخُ الجزيرة بتفصيلاته الدقيقة ، فقد نظم حياة الفرد والأمة بأحكام لا مزيد على إبرامها برباط الحرية دون فوضى وبريقة الامتثال دون إستعباد ، فالأحوال الشخصية قد نظمت بأحكامها الجديدة في الزواج والطلاق والعدة والنفقة والمواريث والوصايا والحدود والديات والجروح والقصاص والديون والعقود بما لم تسبق إليه أعرق الأمم تشريعاً ، وأعمقها تفقهاً ، بل كانت مفردات حياة جديدة متأطرة باطار التطوير الإنساني ثم تكفل القرآن ببيان فروض وواجبات وطقوس منظمة ضمن الحياة اليومية كالصلاة بفرائضها ونوافلها ، وفي جملة من الشهور كالصوم والحج والعمرة ، وفي خلال السنة كالزكاة والخمس في المحاصيل والغنائم.
إن هذه الأبعاد المترامية الأطراف في التشريع لا يمكن أن يصدر تعاليمها إلا خالق هذا الكون ومنظم شؤونه ، إذ لم تعرف الحضارة البشرية هذا التفصيل الدقيق في نوعية الاحكام وجزئيتها.
٣ ـ الإعجاز العلمي : ونريد به ما أورده القرآن من نظريات وقوانين توصل إليها العلم الحديث فيما بعد في مسار الأرض وإنشطار النجوم ، وتعدد الأفلاك ، وابعاد السماوات ، وزوجية الكائنات ، دون إستعمال القرآن لقوانين الحس والتجربة والمعادلة وإنما جاء ذلك ابتداء ، وما ورد فيه كان دون سابق معرفة بشرية بالحيثيات المتناثرة فيه حتى ثبت أن القرآن لا يعارض ما يتوصل إليه العلم بل هو الأساس في ذلك فيما أفاده جملة من المتخصصين ، ولا يراد بهذا الاعجاز الاتساع الفضفاض
__________________
(١) ظ : للتفصيل : الخوئي ، البيان في تفسير القرآن : ٦٨ وما بعدها.