الذي يخرج بالقرآن عن مهمته الأولى والأساسية ؛ فهو كتاب هداية وتشريع لا كتاب صناعة وتقنيات ، مع دعوته للتفكر والتدبر في بدائع السماوات والأرض (١).
٤ ـ الإعجاز الصوتي : ويتمثل في جزء منه في الحروف المقطعة بفواتح بعض السور القرآنية ، فهي حالة فريدة من الاستعمال وقف عندها العرب موقف المتحير ، ولا سابق عهد لهم بأصدائها الصوتية ، مما قطعوا به أن هذه الأصوات المركبة من جنس حروفهم هي نفسها التي تركب منها القرآن ولكن لا يستطيعون أن يأتوا بمثله. وهو ما أفردنا بعمل مستقل (٢).
٥ ـ الإعجاز العددي ، وقد وفق الأستاذ عبد الرزاق نوفل إلى اشتعراء الإعجاز العددي في القرآن ، في مقارنات سليمة ، وموازنات حسابية دقيقة ، فقد قام بعمليات إحصائية لورود الألفاظ المتناظرة ، والمتقابلة ، والمتضادة ، والمتناقضة ، وقابلها بعضها ببعض بالعدد نفسه ، أو نصيفه ، أو شطره ، أو ما يقاربه ، مما شكل ثروة عددية تنبئ بالضرورة أن القرآن لم يستعملها صدفة ، بل بميزان ، وذلك الميزان لا يمكن أن يكون من صنع البشر ، فهو إذن من أدلة إعجازه (٣).
٦ ـ الإعجاز الاجتماعي : إن المتمرس بتأريخ الجزيرة العربية ، في بدء الرسالة الاسلامية ليبهر ـ حقاً ـ بهذا التوحيد المفاجئ ، والتغيير الاجتماعي العاجل ، والتسخير لطاقات العرب في ظل القرآن حتى جعل منهم أمة تحمل هذه الرسالة للأجيال ، فتتناسى حروبها وشحنائها ، وتضرب صفحاً عن عرقيتها وعشائريتها ، لتنتظم في ظل الاسلام وتهتدي بشعلة القرآن ، فيفتح الله على يديها شرق الأرض وغربها ، وتتسلم مقاليد الاسلام بعد الوثنية ، وأولية التوحيد بعد الإشراك وإذا بكيانها ينصهر بتعاليم القرآن فجأة ، وهو ما يحقق
__________________
(١) للتفصيل في الاعجاز العلمي ظ : طفطفاوي جوهري / تفسير الجواهر.
(٢) لتفاصيل هذه النظرية ظ : بحثنا : الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية.
(٣) ظ : عبد الرزاق نوفل ، الاعجاز العددي في القرآن الكريم.