البرزخ وإحياء في يوم القيامة.
واستحباب تلقين الميت ثلاث مرات عند الموت وعند القبر وبعد الانصراف عنه يوحي بذلك إيحاء كبيراً ، لأنه مقترن بفتاوى علماء المسلمين ومنشأ ذلك الروايات الصحيحة الثابتة التي تفيد هذه الاحكام.
ومن خلال ما سلف يتضح بكثير من الوضوح مناخ الحياة البرزخية بأنه العالم المثالي الذي يحياه الانسان في القبر بعد موته إلى يوم القيامة ، ويدل على هذا الفهم ما يستفاد من قوله تعالىٰ : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاًّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) ) (١). فهذا الطلب التذللي الاستكاني من الظالم أو الفاسق أو الكافر أو الضال : ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) عند الموت ، وقد شاهد الملائكة الموكلين بقبض الأرواح لا يلتفت إليه حينئذ ، فهي كلمة عابرة يقولها عند الموت ، بل سيموت ولا يرجع ، ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، فالبعث يوم القيامة وراءهم يطلبهم حثيثاً ، وهم الآن في عالم القبر البرزخي ، فلا رجوع إلى الدنيا. ويمكن استنباط حياة البرزخ من قوله تعالى : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٦) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦) ) (٢). فالعرض على النار في الحياة البرزخية في القبر إذ لا غد وعشياً يوم القيامة ، أما في القيامة فالدخول في أشد الحساب ، فسوء العذاب في البرزخ العرض على النار صباحاً ومساءً ، وفي القيامة سوء الحساب بدخول النار. وفي قوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (١٥٤) ) (٣).
دلالة أن هناك نوعاً من الحياة الخاصة بالشهداء عند الله بعد الموت مباشرة ، فهم ليسوا بأموات بمعنىٰ فنائهم ، بل هم أحياء بأعيانهم ، ولكن الحواسّ القاصرة لا تدرك هذا النوع من الأحياء.
يقول السيد الطباطبائي « إن الآية دالة على الحياة البرزخية ، وهي
__________________
(١) المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٢) المؤمن : ٤٥ ـ ٤٦.
(٣) البقرة : ١٥٤.