أيضاً حياة أهل النار في مئاتٍ من الآياتِ البينات ، وفي سورة الواقعة عرضٌ تفصيل للملذّات الحسية والنعيم المادي السرمدي لاصحاب اليمين وهم أهل الجنة (١). وفيها دليل على تواجد اللذائذ بمختلف أصنافها المعددة هناك وهو ردّ على من قال بأن النعيم روحي فقط ، أو قال بأن البعث روحاني لا جسماني روحاني ، فالنعيم كالبعث روحي مادي بأبرز صوره ، والحياة الروحية هناك تتجلى أيضاً بقوله تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠) ) (٢).
فهذه النفس قد إطمأنت لله تعالى فوصفت بأنها راضية ، وإذا رضي العبد عن ربه عمل له عملاً صالحاً مستقلاً لا شائبة معه ، ولا رياء فيه ، وإذا كان كذلك رضي الله عنه ، وما بعد رضى الله تعالى من درجة ، وحينئذٍ يصدر الأمر الالهي لتلك النفس بالدخول في عباده ، وهي منزلة عليا إذ إستعمال لفظ العبد في القرآن يوحي بأنهم الطبقة العليا الحائزة على مقام العبودية الخالصة ، وعادة ما يستعمل هذا اللفظ صفة وإسماً لمن بلغوا أقصى مراتب الزلفىٰ عند الله ، فلا أمر ولا نهي عندهم إلا أمر الله ونهيه ، فالدخول في هذه الصفوة مقدم على الدخول في الجنة ، فهو مقام روحي كبير فيه من الشرف والرفعة والعزة ما لا يدانيه أي ملحظ آخر في السمو والارتقاء والمنزلة ، إذ الحشر مع محمد وآل محمد والأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين ، وهم العباد المنتقون حقاً فيه من القرب لله عز وجل ما فيه من المعاني الروحية البهيجة ، وإذا تم هذا فقد تعيّن الدخول إلى الجنة ، وهذه الجنة مضافة إليه سبحانه وتعالى تشريفاً لها وتعظيماً لشأنها ، إذ لم تضف الجنة لله في القرآن إلا في هذا الموضع.
وكما تضمنت سورة الواقعة تفصيل حياة أهل الجنة ، فقد تضمنت حديث أهل النار ، وهم أصحاب الشمال في لوحة قاتمة فظيعة في مناخها ، وسمومها ، وظلها ، وأكلها ، وشربها ، وصفتهم وخصائصهم بالترف
__________________
(١) ظ : الواقعة : ٢٧ ـ ٤٠.
(٢) الفجر : ٢٧ ـ ٣٠.