ما برح القرآن العظيم يتبوأ القمة الشامخة في حياة الانسانية ، وما زالت تعليماته الهادفة تنطلق مع الانسان في مسيرته الواعية ، فهو نبع ثرٌّ من المعارف لا يغور ، وهو ألقٌ حيٌّ من الفضائل لا يخبو ، وهو يجمع إلى عمق النهج الديني أروع مظاهر النهج الفني ، فيلتقي هذان الملحظان بقدر يعجز معه فقه البشر على أن يأتي بشيء من مثله ، وكلما تقدمت الحضارة شوطاً في المعرفة والوعي أدركت في القرآن ما لا يدرك في سواه ، ذلك أنه كلام الله المنزل على نبيه المرسل.
والمتخصصون في علوم القرآن وعوالم التأويل وحقائق التفسير أولئك وحدهم الذي يصح لهم فنياً خوض غمار هذا البحر المتلاطم الأمواج ، فيغوصون إلى أعماقه الرهيبة ملتقطين غرر جواهره ، ومكتشفين كنوزه الثمينة ومع مسيرة الاجيال المتحررة يتبلور الجديد النابض من عطاء القرآن ، ويتمحور المجهول في كشوفه الابداعية ، فتتـقاطر الأسرار الالهية زاخرة بالمثل العليا.
القرآن كتاب هداية وتشريع لا شك في هذا ، ولكنه كتاب استقراء لمجاهيل الكون ، وأثباج الطبيعة ، ومفاوز الفضاء ، ومسالك ما تحت الأرض ، وهو أيضاً المصدر الحقيقي الدقيق لتأريخ الديانات السماوية ، وحياة الرسل والأنبياء والشهداء والصديقين ، وهو كذلك النموذج الأرقى في استيعاب مشكلات الأزمنة المتناقضة بين السلب والايجاب ، يجد حلولها ، ويوفر علاجها.
هذا المنظور الرائع للقرآن يوحي بعالمية القرآن ، وهذا الفهم الرصين لمناخ القرآن يقضي بإنسانية رسالته بعيداً عن النظرة الاقليمية الضيقة ، وهذا