الواقع المعاصر في تقييم القرآن هو الذي يؤكد حقيقة الصيغ العالمية في مفاهيم القرآن.
في ضوء هذا المنطلق الرحيب نقول مطمئنين :
إن القرآن وإن كان عربي النص إلا أنه عالمي الدلالية ، وهو وإن إنساني الرسالة إلا أنه عربي العبارة. وهو مع هذين الملحظين التكوينيين يبقى شامخاً بلمح من عربيته المحضة الفصحى ، لأن عربيته الخالصة يمكن فيها الكثير من معالم إعجازه بل الاعجاز البلاغي فيه هو الوجه الناصع لملامح الاعجاز المتعددة الظواهر ، وبإنضمامه إلى إعجازه التشريعي والغيبي والاجتماعي والعلمي والاحصائي والصوتي والكوني والاقناعي يترشح نظام الاعجاز الكلي في القرآن.
ولما كان الاعجاز بهذا المستوى التكاملي في شتى المجالات كان القرآن بالمستوى العالمي في بعده الموضوعي.
والبعد العالمي في القرآن محور مستفيض من محاور البحث العلمي المتجدد ، والخوض في مشتقاته الفعلية يستدعي التفرغ إلى عمل أكاديمي متطور ينهض بمؤلف ضخم يلم شتاته ، ويجمع متفرقاته ، ويستقرئ جزئياته.
والخطوط الأولية للموضوع قد تعطي ثمارها التوفيقية ضمن إطار أولي محدد يعنى بالتركيز على ظواهر عالمية القرآن ضمن الاشارة الموحية ، والادراك الفاحص في جملة من المحاور الآتية :
أولاً : إن عالمية الاسلام تعني بالضرورة عالمية القرآن ، وذلك أن القرآن هو رسالة الاسلام ، وهذه العالمية المبرمجة قد خطط لها القرآن نفسه بما لا يقبل الشك في كل آياته التي تشير إلى عالمية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في رسالته للبشرية جمعاء. قال تعالىٰ :
( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) الأعراف / ١٥٨ ، والآية في مقام الأمر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في إشعار الناس كافة بالقول لهم أنه رسول الله إليهم ، ومعنى هذا عالمية رسالته ، وإستقطابها شعوب الأرض ومختلف الأمم ، فمحمد بهذا رسول الله إلى الأبيض والأسود والأحمر والأصفر ،