وهؤلاء هم الناس ورسالته شاملة لأفرادهم ، مستغرقة لأجناسهم دون اختصاص بقوم عن قوم ، ولا أمة دون أمة ، يعضده قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) سبأ / ٢٨. فإذا جمعنا له قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (١٠٧) ) الأنبياء / ١٠٧ ، خلص لنا أنه رسول البشرية ، وما إرساله إلا رحمة للعالمين ، وهذا الارسال يحمل في طياته ملامح البشارة الرضية المرضية ، وصرخة النذارة الهادرة المدوية ، ذلك ما يعلنه قوله تعالىٰ : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) البقرة / ١١٩. ويؤكده قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) ) الأحزاب / ٤٥. وهنا تضاف الشهادة إلى البشارة والنذارة لتتم حلقة الوصل العالمية في التدرج البياني ليصل إلى ذروته في التبليغ بقوله تعالى : ( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا ) النساء / ٧٩. وقد وضع الله تعالى على الناس ذاته القدسية شهيداً على هذا الارسال العالمي.
ثـانياً : والمنطلق البارز في تشخيص عالمية القرآن نصاً ومضموناً تأكيد القرآن على خطاب الناس ـ كل الناس ـ في تعليماته الالهية ؛ وهذا المنطلق يتحدث فيه القرآن إلى الناس في مختلف شؤونهم ، ويدعوهم بعامة إلى الأخذ بالأصلح من الأنظمة ازاء تدوير الواقع البشري المتقلب ليقف به على مرفأ الأمان ، ويستقر مستوياً بشاطيء الخلاص ، وأول ما يدعوهم إليه سنن التوحيد المطلق في ظلال ملكوته قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) البقرة / ٢١ ، يدعم ذلك الملحظ بالكتاب الذي أخرج كل الناس إلى النور .. ( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) إبراهيم / ١. ويوجه هؤلاء الناس نحو الله بإعتبارهم مضطرين له ، فقراء إليه ، وهو في غنى وعز ومنعة عنهم ، يُحمد بغناه ، ويعبد لآياته : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ (١٥) ) فاطر / ١٥. وإذا كان الناس بهذه الفاقة ، محتاجين ولا يحتاج إليهم ، فحريُ بهم أن يتجهوا نحو الله في الشؤون والشجون والآمال ، ولا يتكلوا على الأحلام والأماني ، فوعد الله حق ، ووعد غيره الغرور. قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا ) فاطر / ٥ ، ولا يقف القرآن عند هذا الحد في تذكير الناس وتحذيرهم ، وتقويمهم ومتابعتهم ، بل يتسع في